تونس والسيولة السياسية

تونس والسيولة السياسية

تونس والسيولة السياسية

 العرب اليوم -

تونس والسيولة السياسية

بقلم: يوسف الديني

لا شيء أكثر سيولة في هذه الحقبة التاريخية الغريبة من المحتوى والمعطى السياسي، فكل ما يتصل بساس ويسوس، اللتين تعوذ منهما الإمام محمد عبده، بات يتخذ طابع الخبر السيّار ويتأثر بآنية ولحظية منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما يعني أن أفكاراً ومواقف ونظريات وعلاقات وتوازنات تعيش حالة من السيولة إلى حد يصعب معه التفكير في ثابت سياسي غير التغيير الدائم نفسه.
اليوم تحدث هذه السيولة بشكل كبير في الدول التي مسّها ما سمي بالربيع العربي، لكن تونس تحظى بنصيب من الضغط والتحولات في الداخل، رغم أن مشروع الحفاظ على الاستقرار وشرعية وهيبة الدولة والقانون هي مهمة لا يمكن التراجع عنها، ليس للرئيس قيس سعيد، بل للنخبة التونسية الواعية بألاعيب الإسلام السياسي في تثوير الشارع، لكن المختلف في وعي الجماهير العريضة من التونسيين من عامة الناس غير المسيسين بالانضمام للأحزاب ذات الطابع والمنزع السياسي.
ما يجري في تونس اليوم هو محاولة تدمير منجز ما بعد الثورتين الأولى والثانية، المتمثلة في تجاوز النهضة، أو ما يعرف عادة في سياقات أخرى بالثورات التصحيحية.
لكن الإشكالية أن ما طال تونس، وخصوصاً مستوى التمزق والتفكك الذي طال بنى السلطة في الداخل، أكبر مما يتوقعه المراقبون حول ما تم تجريفه في فترة ما بعد الثورة من هويّة ونسغ تونس التي نعرفها على مستوى التقدمية والوعي السياسي، حيث كانت بين الأوائل على مستوى كل الدول العربية في تصدير كوادر متطرفة لمناطق التوتر بسبب حالة التجييش والانقسام، كما أن تغول المناوئين لعودة تونس بورقيبة ساهموا في تعميق تونس الشكلانية على حساب تونس الوعي والمفاهيم والإيمان بالتعدد حيث بات نمط إدارة اللعبة السياسية، وصورة الدولة في الخارج، مرهونين بالهزات الداخلية التي يتحكم في إيقاعها الذين اختطفوا هوية تونس إلى ما يشبه شكل وحالة ما قبل الدولة أو ما يمكن تسميتها «الدولة البدائية»؛ مؤسسات معطلة لا يمكن أن تحييها الشعارات والسيولة السياسية والأحزاب التي تتناسل وتتصارع وتنقسم على ذاتها طمعاً في مزيد من كعكة السلطة، إلى مؤسسات فاعلة، وجمهور من الجيل الجديد، لا ناقة له ولا جمل في الصراعات على الشرعية السياسية، ومعني بقدر تأثره بإيقاع الحياة اليومية، وتحديات المعيشة والاقتصاد. وهي النافذة التي عادة ما يحدث عبر التجييش ضد السلطة... وتتفاقم لاحقاً الأوضاع وتنفلت حالة السلم ونعود للمربع الأول وهو الاعتذارية عن حالة اللادولة بمشروعية زائفة من الثورة أو المظلومية السياسية، التي لا تعبر إلا عن طيف وتيار يستطيع ابتلاع المشهد بأكمله، بما يتملكه من أدوات ودعم وخبرة في التحشيد ضد الدولة، وليس المساهمة في بنائها. وهنا سؤال الأسئلة.
تونس قيس سعيد اليوم تعيش لحظة اختبار غير مسبوقة، في هذه الأوقات الحرجة التي يمر بها العالم، بين مشروع استعادة منطق الدولة والعمل على رفاه المجتمع، ومحاولة خلق تونس جديدة تتجاوز لعبة الكراسي المتحركة والمشروعات المخترقة للسيادة، يتضخم الدور الذي ممكن أن تلعبه دول الاعتدال، وفي مقدمتهم السعودية، لإنقاذ تونس وحمايتها من تقويض منطق الدولة فيها، عبر دعم حالة الاستقرار، وليس التدخل في شؤونها، كما جرت العادة في المقاربة السعودية في تحديات مماثلة.
الصراع اليوم والسيولة السياسية في تونس ليسا تجاذبات إعلامية أو تراشق بيانات وتصريحات، بل هما صراع على هوية تونس، هدفهما السيطرة على مفاصل الدولة، وفشل حشد الأعداد الغفيرة من قبل حزب النهضة ألجأه إلى استدعاء الاتحاد العام للشغل، الذي يعترض اليوم صراحة على القضاء وحملة الرئيس، لحل مسألة الفوضى والتدخلات الخارجية، وهو ما يعني تكرار أخطاء لحظات ما بعد فترة الربيع العربي، حيث أمسك المثاليون معول هدم الدولة، وتلقف الانتهازيون غنائم القوارب الغارقة!

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تونس والسيولة السياسية تونس والسيولة السياسية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
 العرب اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 18:17 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما
 العرب اليوم - أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab