بقلم: يوسف الديني
الصعود السعودي والنجاحات الكبيرة هي حديث النخب السياسية حول العالم، لكنها اليوم حديث أرقام لا أوهام، وهناك الكثير من التلكؤ والتردد في الاعتراف بذلك مع كثير من عدم الفهم وتعمد ذلك، خصوصاً في بعض الأصوات المتشنجة في الصحافة الغربية الأميركية على وجه الخصوص، لكنَّ هذا متوقَّع وإن كان غير مفهوم أو مبرَّر بسبب طغيان الآيديولوجيا والمواقف المسبقة على قراءة دقيقة للتحولات وفقاً للأرقام والبيانات والواقع، أو كما عبَّر جون هانا، مستشار الأمن الأميركي السابق في ما يشبه صيحة التذكير: «واشنطن غافلة عن قيمة وأهمية الإصلاحات في السعودية»، في مقال مطول أشبه بالنصيحة للتخلي عن الأوهام القديمة، مؤكداً أن نصيحته الذهبية لأي مسؤول أميركي: «اذهب إلى الرياض»، حيث التحولات الهائلة التي تعيشها البلاد منذ سنوات هي الأهم في المنطقة منذ عقود ولها تداعيات عميقة على منطقة الشرق الأوسط، وحسب عبارته: «معظم الأميركيين على كل المستويات -في إدارة بايدن، والكونغرس الأميركي، ووسائل الإعلام، وبالتأكيد الجمهور- غير مدركين بشكل لافت للنظر النطاق الواسع وحجم الإصلاحات السعودية والمصلحة الهائلة للولايات المتحدة في نجاح البلاد»، ويضيف: «معظم الأميركيين غافلون عن هذه التغييرات حيث جهود الإصلاح السعودية -المعروفة باسم (رؤية 2030)- هي من بنات أفكار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان».
على الصحافة والعقلاء في الولايات المتحدة اليوم أن يستمعوا إلى تلك النصيحة، وأن يضيفوا إليها قاعدة عمدة الإعلام مايكل بلومبرغ: «نثق بالله... لكن على الجميع أن يجلبوا البيانات والأرقام ويعملوا وفقاً لها».
الأرقام السعودية اليوم تجبر حتى الصحافة، التي اعتادت الاستهداف وخلق توجهات وقصص وحكايات عن السعودية مبنية على الأوهام والصور النمطية (Stereotypes)، على الاعتراف بمشكلة عدم الاستفادة من الإحصاءات والأرقام سواء في التحولات الاجتماعية والفكرية الهائلة أم منظومة الإصلاح للمؤسسات والاقتصاد السعودي وتنويعه بعيداً عن الاعتماد على النفط، إضافةً إلى خلق صناعات ووظائف جديدة تمكّن ملايين الشباب، بما في ذلك تمكين المرأة السعودية في مجالات السياحة والنقل والطاقة المتجددة، وهو ما وصفه ستيفن كوك في «فورين بوليسي» بأنه غيَّر وجه المجتمع السعودي بشكل غير مسبوق في المنطقة.
كوك، الخبير في مجال العلاقات الخارجية ودراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، كتب عن ثقة السعوديين اليوم بالقيادة وأن بلدهم بات مركزاً للاقتصاد العالمي وقوة جيوسياسية وديناميكية أهلّتهم لزعامة الشرق الأوسط من دون منازع.
ومع كل محاولات الصحافة الغربية التشغيب عليه في الصعود السعودي، فإن لغة الأرقام جعلت من كوك وآخرين يعترفون بها وحدها، ما يجعل سؤال الأسئلة اليوم بالنسبة إلى الأوساط البحثية والخبراء عن سر الصعود السعودي، عطفاً على آخر استطلاعات خزانات التفكير والمؤسسات المتخصصة، ومنها استطلاع أخير لمؤسسة «غالوب» شمل 13 دولة ذات أغلبية مسلمة خلص إلى أن السعودية حصدت المركز الأول في الشعبية متقدمةً على دول مثل إيران وتركيا حتى في المناطق التي تحظى بالدعاية السياسية المناهضة، ومن هنا يعلّق ستيفن كوك: «من الصعب عدم تصديق أن مؤسسة (غالوب) غير عادلة، شعبية السعودية حقيقية وفقاً للباروميتر العربي الذي يحظى باحترام كبير، حتى في العراق الذي يرون فيه أكثر دولة نموذجية في المنطقة مع الصين». ويمضي في اعترافه: «يتعارض هذا النوع من البيانات مع الطريقة التي ينظر بها الكثير من النخب الغربية إلى المملكة العربية السعودية، مما يثير سؤالاً مهماً: لماذا تحظى المملكة العربية السعودية بشعبية كبيرة في الشرق الأوسط؟».
الرياض اليوم هي قلب الأمل للشرق الأوسط، والسعودية هي بوصلة المشاعر الإيجابية لمستقبل أفضل. وبعيداً عن مشاريع الميليشيات وخداع الأوهام الشمولية الكبيرة أو انتهازية الآيديولوجيات الضيقة، هي مصدر للاستقرار الإقليمي. و«فضيلة الاستقرار» التي أركز عليها دائماً كمفتاح لفهم السعودية تضاف إليها اليوم قدرتها على منح الأمل فيما يخص التركيز على السيادة والمستقبل وفتح كل الأبواب وإعادة تشكيل الملفات العالقة؛ من المصالحة في اليمن والسودان، إلى دعم الدول العربية المتعثرة، حتى استعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية بهدف إنهاء المعاناة وبما يضمن سلامة الشعب السوري. هذه السياسة الخارجية المستقلة، إضافةً إلى ركيزة الاستثمار في الإنسان السعودي من خلال «رؤية 2030»، هي مفتاح نجاحات السعودية بقيادة ملهم الرؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وحسب تعبيرات كوك، أو اعترافاته، على صناع القرار في الولايات المتحدة والغرب أن يأخذوا استطلاعات الرأي، لا الحكايات المرسلة، على محمل الجد... البيانات ثم البيانات، فهي حسب أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية السابقة، «نفط العالم الجديد»!