الجيوتكنولوجي في عالم مضطرب

الجيوتكنولوجي في عالم مضطرب

الجيوتكنولوجي في عالم مضطرب

 العرب اليوم -

الجيوتكنولوجي في عالم مضطرب

بقلم : يوسف الديني

عادت منصة «تلغرام» إلى الواجهة في الأيام السابقة بعد القبض مؤسس المنصة والمدير التنفيذي لها، بافيل دوروف، في فرنسا «التنوير والحريات» بقناع جنائي يُخفي كثيراً من التحولات السياسية، في التعامل مع واقع جديد يتنامى منذ عقود صعود سلطة الخوارزميات والتواصل الرقمي لاعباً أساسياً في ميادين السياسة منذ الترويج للأفكار والمعلومات المضللة إلى صناعة الحشود ثم نقلها إلى الواقع.

التهمة الأساسية ابتكار منصة سهَّلت تدويل ورقمنة الجريمة، وترفض الكشف عن البيانات، وتستطيع اليوم أن تجمع بين ضفتي الحرب وتلغي الحدود وحتى خطوط النار والتماس بنفس التفاعل والثقل كما هو الحال في الحرب الأوكرانية - الروسية.

في الجهة المقابلة من العالم في بلد نامٍ وصاعد اقتصادياً كالبرازيل، ودَّع سكانه منصة «إكس»، («تويتر» سابقاً) بدءاً بالرئيس دا سيلفا وعدد كبير من المشاهير والأحزاب والشخصيات العامة الذين تقاطروا على نشر روابط لحساباتهم في المنصات الأخرى، بعد أمر المحكمة العليا في البرازيل قبل أيام، تعليق عمل المنصة بسبب رفض إيلون ماسك، تعيين ممثل قانوني في البلاد.

وفي منطقة الشرق الأوسط والخليج لا يكاد يمر أسبوع أو أسبوعان من دون أن يُستعاد النقاش مراراً وتكراراً، حول مدى الخطورة التي وصلت إليها فوضى «الإعلام الجديد» على مستوى صناعة الخطاب الإعلامي المضلل والقصص الممنهجة لاستهداف «فضيلة الاستقرار»، من خلال حملات تعتمد على قوة وسلطة «الخوارزميات» وصناعة محتوى شديد السيولة والشيوع والانتشار له تقنياته الخاصة ومن دون مرجعية، وهو الأمر الذي باتت تفضله هذه المنصات «محتوى مجهول الهوية»، أو ما يعرف بـ«faceless content».

«تلغرام» اليوم و«تيك توك» خرجتا عن سيطرة دهاقنة «سيلكون فالي»، واحتكار التفوق الرقمي، إذ تقترب الأولى من مليار مستخدم في هذه السنة بعد أن بدأت في 2014 تطبيقاً متمرداً مطارَداً في روسيا، محققاً عند ظهوره 45 مليون مشترك، بسبب وعوده بحماية بيانات المستخدمين وقدرته على الجمع بين مزايا وخصائص التطبيقات الغربية الشهيرة، إضافةً إلى ميزات إضافية تتصل بتحوله إلى ملاذ للبيانات المفتوحة والمحتوى مجهول المصدر والحشود المعرفية، وصولاً إلى الطوائف الرقمية مثل طائفة تداول الملفات والكتب بلا حقوق؛ هذا علاوة على تحوله قبل ذلك إلى معسكرات آمنة للأفكار والجماعات المتطرفة يميناً ويساراً وفي كل اتجاه.

هذه المرونة والسيولة باتت اليوم تحدياً كبيراً جداً لا يمكن أن تُكسبه إجراءات المنع والقبض إلا مزيداً من الشهرة، فأرقام «تلغرام» بعد القبض على مؤسسه في ازدياد بحكم الدعاية العكسية لهذا النوع من المنتجات الرقمية، كما أن التعامل على طريقة ردَّات الفعل والتظلم والتحذير من استغلال هذه المنصات، ليس له مفعول كبير في علاج الظاهرة.

والحال أن فهم الظاهرة في إطارها الأوسع يعني وضعه جنباً إلى جنب إلى ملفات الأمن القومي، لأن هذه التحولات الرقمية هي الوجه الجديد لما بعد السرديات الجيوسياسية النقدية. وفي هذا السياق يؤكد جيرارد أوتوهال في أطروحته المهمة «الجيوسياسية النقدية: سياسات كتابة الفضاء العالمي»، أن تحدي العالم اليوم في قراءة التقاطعات بين الجغرافيا والسياسة والتكنولوجيا، وكيف أنها تصنع ديناميات قوة وسياقاً تاريخياً مغايراً، لها انعكاساتها على الهويات والثقافة، وهو الذي يؤكده أيضاً طرح لا يقل أهمية لكتاب جماعي من تحرير كلير بروكس بعنوان «قوة التفكير الجغرافي»، يناقش وقوع المجتمعات الحديثة تحت تأثير الجيوتكنولوجيا أكثر من السياسات الوطنية في تشكيل السرديات الجديدة في عصر ما بعد العولمة.

في عالمنا العربي الإسلامي ومنطقتنا، الموضوع أكثر تفاقماً وتجذراً، ولعل عودةً إلى أحداث ما سُمّي الربيع العربي وقراءة سيَر المؤثرين في تلك المرحلة من الذين شكّلوا وعي الجماهير رقمياً، وتحشيدهم من خلف الشاشات ثم مرحلة الاستقطاب الجهادي الرقمي ومعسكرات «القاعدة» وأخواتها على الإنترنت، وخلق ظاهرة تغذية الذئاب المنفردة بالمحتوى، وصولاً إلى ما سمّيت «البيعة الرقمية»... كلها تؤكد أن الجهود اليوم يجب أن تكون مضاعَفة لفهم وقراءة الظاهرة بشكل علميٍّ ومنهجيٍّ مبنيٍّ على تحالف كبير بين المؤسسات الدولية من جهة، وداخليٍّ على مستوى المؤسسات الوطنية لاختلاق استراتيجيات استباقية، وليست دفاعية مبنية على آخر الفتوحات لمنهجيات الجيوسياسية المعلوماتية وعلاقتها بالتأثير والتأثر من جهة أخرى، خصوصاً على مستوى الثقافة والإعلام والأمن، وليس أقل من عقد مؤتمر بمستوى تمثيل عالٍ لرسم سياسات التعامل الأمثل، بدءاً من التشريعات، ووصولاً إلى المبادرات... وللحديث بقية.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجيوتكنولوجي في عالم مضطرب الجيوتكنولوجي في عالم مضطرب



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab