بقلم - يوسف الديني
كل المؤشرات السياسية وفقاً لمراكز الأبحاث وخزانات التفكير الأميركية قبل الدولية تدل على أن السعودية اليوم هي الدولة المنشودة في حل كثير من الأزمات والمساهمة في تقديم نموذج الدولة العاقلة المتزنة في النزاعات الدولية، وهي قصة نجاح مستقلة أبعد من أن يتم ربطها بتحولات إدارة بايدن أو التغير في المواقف الدولية تجاه المملكة؛ فالقصة هي نموذج رؤيوي متجدد يستهدف الاستثمار في المواطن السعودي والتمركز على المواطنة (Citizenship centric).
من التهديد الشعاراتي بتحويلها إلى دولة منبوذة أيام الانتخابات الملتهبة في الولايات المتحدة وتصريحات بايدن غير السياسية إلى كل المؤشرات على أنها الدولة المنشودة اليوم، هناك قصة صبر وتأنٍ وعقلانية كبرى يجب ألا تمرّ سريعاً مهما كانت التحولات ذات طابع براغماتي أو معاينة للتحولات السريعة والمدهشة التي تعيشها «السعودية المتجددة» اليوم.
تحاول إدارة بايدن كسر الجمود في علاقتها مع السعودية على كل المستويات بدافع محاولة تهدئة الأسواق العالمية وتوقع الأسوأ، أي الحراك اللاعقلاني من قِبل نظام طهران وروسيا، صيف قائظ ينتظر الأوروبيين جنباً إلى جنب الأميركيين في ظل أسعار نفط تخطّت عتبة الـ120 دولاراً للبرميل، في الوقت ذاته التي تجترح فيه السعودية بقيادة «رؤية 2030» وعرّابها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى تخطّي عتبة الزمن عبر مشاريع تعيد موضعة «الطاقة» كمنتَج مهم، لكن الأهم هو حزمة المشاريع الاستثمارية والتنموية ذات الطابع الشامل، وبالتالي تحول ثراء السعودية الثقافي والسياحي وثقلها الروحي والاقتصادي إلى رساميل تعزز بناء المستقبل بخُطا ثابتة وإيقاع سريع بات يعرفه الجميع في الداخل، خصوصاً من اقترب من مشاريع الرؤية ومستهدفاتها ولغتها وقاموسها، وصولاً إلى مخيالها الجامح الذي بات ملهماً لطاقات الشباب.
اليوم يمكن الحديث عن «جيل الرؤية» وهو يحقق أرقاماً عالمية مذهلة على صعيد المخترعات والعلوم والاختبارات القياسية، وهو الشيء ذاته فيما يخص الفنون والثقافة والعناية بالموروث وارتفاع منسوب الوطنية.
على المستوى الدولي والقضايا الإقليمية تحضر العقلانية السعودية من خلال مقاربتها لملف اليمن والهدنة والتي كانت باعتراف حتى إدارة بايدن نموذجاً يدعو للثناء رغم رعونة الأطراف الأخرى وارتهانها لمشروع طهران الذي يحاول تقويض أمن وسيادة الإقليم، بل ويتجاوزه إلى تهديد لحالة السلم العالمي لتحسين موقف إيران التفاوضي في الملف النووي من دون جدوى.
على صعيد النفط، من المرجح أن يتم السعي من قِبل الدول الكبرى لعقد المزيد من الاجتماعات على أرفع المستويات تضم وزراء الدول الصناعية الغربية للضغط على منظمة «أوبك بلس» التي تضم روسيا في مسألة ضخ المزيد من النفط، لكن هذا بالتأكيد لن يكون كافياً لتغيير المعادلة على مستوى الأسعار أو ارتفاع الأصوات المنددة بتأثيرات أزمة أوكرانيا وروسيا في الشارع الغربي.
ذهنية الولايات المتحدة اليوم تعيد التفكير حول أدوارها في العالم، لكن ذلك يجب ألا يشمل في نسغ نجاحاتها السابقة المعتمدة على ثقة قوية وعميقة متبادلة مع الحلفاء وفي مقدمتهم السعودية، وإذا كان ويلسون قد وصف الحرب العالمية الأولى بأنها الحرب التي ستوقف كل الحروب بعدها، فإن الأزمة الروسية - الأوكرانية شرعت على عالم ما بعد التبشير بنهايات مغلقة لمسألة الحروب والسيادة، وأن استراتيجيات الضغط الأقصى من واللعب على تناقضات مصالح المنطقة ليست بالضرورة فعّالة كما هو الحال مع أدوات المقاطعة.
والحق يقال، فإن التحديات الداخلية للولايات المتحدة والأجواء السائدة حول الكفاءة الاقتصادية مقلقة وكثيرة، وخصوصاً من الطبقة الوسطى التي يعلو صوتها اليوم تجاه نقد السلوك العام حول مسألة الطاقة والإمدادات والإنتاج المحلي.
وبغض النظر عن تسريبات زيارة يزمع القيام بها بايدن إلى المملكة، فإن حسابات البيت الأبيض من المهم أن ترتكز على الاستماع الجيد إلى الرياض أكثر من محاولة الضغط وبشكل براغماتي على ملف النفط والأسعار في محاولة لمكاسب عاجلة على طريقة الوجبات الأميركية السريعة لتحسين حظوظ الإدارة الحالية في الانتخابات النصفية في نوفمبر (تشرين الثاني)... الاستماع الجيد ومعرفة ما يريده العقلاء في العالم والحلفاء من هم على وجه الخصوص أهم ما تحتاج إليه إدارة بايدن في هذه الأوقات الصعبة والمنعطفات الحرجة.