يوم التأسيس كتابة تاريخ التجربة السياسية

يوم التأسيس: كتابة تاريخ التجربة السياسية

يوم التأسيس: كتابة تاريخ التجربة السياسية

 العرب اليوم -

يوم التأسيس كتابة تاريخ التجربة السياسية

بقلم - يوسف الديني

في الحديث عن يوم التأسيس الذي صدر الإعلان عنه بأمر سامٍ من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، واستكمالاً لمسألة الفصل بين تعالق ثنائية الدولة والدعوة في خطأ حان تصحيحه، يجدر القول من دون مثنوية أو جدال بأن الملك سلمان هو أيقونة التاريخ المجسدة في ذاكرة يعرفها من استمع له أو جالسه أو قرأ ما كتبه، حتى في يوميات الصحافيين الخاصة لا تكاد تجد إلا من بلغته ملاحظة تاريخية أو تصحيح مفاهيمي عن تاريخ الجزيرة العربية مرده إلى إفادات أمير الرياض آنذاك مع إحالة إحدى مدونات أو كتب ومراجع دارة الملك عبد العزيز أو من خارجها، ولذلك من المهم اليوم استعادة تقدم سردية الدولة على الدعوة، ذلك أن الواقعة التاريخية هي إحدى أهم أدوات بناء الهوية الوطنية، وعوداً على بدء كانت قيمة الدرعية هي قدرتها قبل انضمام الدعوة إليها نقطة ارتكاز في بناء نموذج الدولة المدينة، وما ساهم في إنجاح التجربة هو بعدها النسبي عن الاضطرابات السياسية الكبرى، وأنها لم تخضع من قبل لأي سيطرة سياسية حقيقية أو سلطة مركزية، وكان انتقال روابط القرابة والقبائلية التي حان لحظة حط رحالها من سياسات الغنيمة إلى التفكير في الاستقرار، هو لحظة ولادة تجربة عظيمة بدأت مع مانع المريدي لكنها اتخذت شكل السلطة المركزية بين مختلف الأطياف، تحديداً الحضر والبدو وباقي المكونات مع الإمام محمد بن سعود... انتقلت الأحلاف من الولاء على الترحال واللحاق بالمرعى والغزو إلى التطلع إلى استقرار «الدرعية»، ومآلات تحول اقتصاد الحاضرة القائم على الزراعة والتجارة والقوافل المحمية بالسلطة الجديدة كتجربة جديرة بالانضمام إليها.
التذرر السياسي والتشرذم الاجتماعي والاختلاف الثقافي والمذهبي والديني كان بحاجة إلى ولادة حاضنة سياسية ودولة المدينة أولاً التي غطت فراغ ما يسميه ابن خلدون لبنتي «العصبية والدعوة»، واللتين تخلقان الشرعية، وبلغة سياسية فالمجال السياسي كان المؤسس لرغبة الدعوي في التحالف معه والانضمام إليه بغية إعادة تصحيح وتوحيد الممارسات الشعبية، وإعطاء صورة كلية للدين اليومي، كما يعرف اليوم في حقل دراسات الأديان بمعنى الممارسة الاجتماعية للقناعات الدينية.
لذلك فتاريخ الدولة الذي كما قلت في المقال السابق لا يمكن أن يولد مرتين، سابق بفترة طويلة نسبياً عن كل التحالفات المنضوية تحته ومنها الدعوة، لكن الإشكالية أن الكتابة التاريخية، خصوصاً في التجربة والمجال العام في الأديان الكبرى، تنتمي إلى التدوين التاريخاني الديني، بمعنى التركيز على تاريخ التحولات الفكرية والثقافية الكبرى وليس السياسية، وذلك لأسباب كثيرة يطول شرحها، منها أن المؤرخ غالباً هو قادم من الحقل الديني في التجربة الإسلامية «الحديث والإسناد والرواية»، وأيضاً فإن تأثير الحراك الفكري والديني على النزاعات المجتمعية هو ما يتم تسجيله باعتباره ينتمي لمقولات الكلام، وإن كان منزعه هو السلطة التي منذ الفجر الأول كانت محركاً أساسياً للفضاء الديني «يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، وهو من أشهر الأقوال السياسية الكبرى المأثورة في تراثنا عن دور السلطة في تثبيت الاستقرار السياسي رُوي حديثاً وعن مجموعة من الصحابة والتابعين، وشاع أنه من المقولات المأثورة التي نسبت إلى أكثر من قائل لكنها ذات دلالة مهمة على مستوى أسبقية السلطة السياسية.
الملاحظة الثانية أن تاريخ السلطة انفصل مبكراً في التراث الإسلامي والعربي بالكتابات السلطانية، بسبب تداخل وشخصنة مسألة «السلطان» والسلطة وتضخيم دور الفقيه في التأثير بناء على قدرته على حشد وتجييش العامة، وهي مسألة تستحق الدراسة والبحث، خصوصاً في تاريخ الجزيرة العربية ولحظة انبثاق تجربة الدرعية ولاحقاً الدولة السعودية في أطوارها، إلى لحظة التوحيد المجيدة مع الملك المؤسس عبد العزيز، حيث كل ما هو مدون على كثرته يعيد تكرار الإشكالية نفسها في تضخيم التدوين العقائدي والفكري على حساب السياسي والمجتمعي إلى درجة مثيرة للتساؤل، ومما يجعل المسألة تستحق العناية بها على مستوى التدوين التاريخي في شكل أبحاث محكمة ومراكز متخصصة، خصوصية وفرادة تاريخ السلطة السياسية في التجربة السعودية، وتعاملها مع الفضاء الديني ممثلاً في الفاعلين والأفكار والتحولات، وصولاً إلى تقليم أظافر التشدد والتطرف منذ لحظة الدرعية في محطات وجودية استطاع السياسي فيها إعادة الأمور إلى نصابها، من لحظة إخوان من طاع الله إلى الاعتراض على المخترعات الحديثة، مروراً بلحظة جهيمان، ووصولاً إلى التطرف السياسي منذ الثمانينات الذي تضخم ما بعد حرب الخليج مع جماعات الإسلام السياسي وحتى «القاعدة» وأخواتها... في كل هذه المحطات هناك تاريخ سياسي عظيم من المهم أن يعاد في قراءته وتدوينه لمعرفة فرادة التجربة وصيرورتها التاريخية وامتدادها وفهم ماكينزمات البقاء والحفاظ على «فضيلة الاستقرار».
التاريخ السياسي للتجربة السعودية ديناميكي متحرك يتعامل بواقعية ذكية في الحفاظ على الاستقرار والرفاه، بينما كثير مما كتب من تاريخ الدعوة والأفكار كتب بطريقة غائية لا تاريخية، ولهذا حديث آخر يجب ألا يأخذنا بعيداً عن حدث «يوم التأسيس»، الذي أعاد تاريخ السلطة وأنصف تجربة الاستقرار التي متى ما فهمناها في سياقها الواقعي استطعنا الامتنان لتجربة وطن تشكل بتضحيات كبرى، وهو اليوم يسعى إلى طموحات عنانها السماء!

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوم التأسيس كتابة تاريخ التجربة السياسية يوم التأسيس كتابة تاريخ التجربة السياسية



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - مودريتش يوجه رسالة دعم خاصة لمبابي عقب الهزيمة أمام ليفربول

GMT 09:17 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية لتحسين وظائف الكلى ودعم تطهيرها بطرق آمنة
 العرب اليوم - فواكه طبيعية لتحسين وظائف الكلى ودعم تطهيرها بطرق آمنة

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:52 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا EV3 تحصد لقب أفضل سيارة كروس أوفر في جوائز Top Gear لعام 2024
 العرب اليوم - كيا EV3 تحصد لقب أفضل سيارة كروس أوفر في جوائز Top Gear لعام 2024

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab