كرة القدم من المتعة والوطنية إلى استنبات القيم

كرة القدم: من المتعة والوطنية إلى استنبات القيم

كرة القدم: من المتعة والوطنية إلى استنبات القيم

 العرب اليوم -

كرة القدم من المتعة والوطنية إلى استنبات القيم

بقلم - يوسف الديني

منذ البدايات المبكرة لكرة القدم مع الصينيين الأوائل قبل 5 آلاف سنة، حيث كان البهلوانات الصينيون يراقصون الكرة بأقدامهم، مروراً بالرومان بعد قرون، كانت لعبة شائكة وجدلية، أو حسب وصف إدواردو غاليانو بأنها ليست إلا رحلة حزينة من المتعة إلى الواجب مدفوع الثمن.
اليوم كرة القدم قصة أخرى بفضل الجماهيرية، حيث تحولت إلى أحد أهم محددات الشخصية الوطنية ومحفزات الانتماء بهتافات الأنصار والعشاق الذين يصطلمون، حسب التعبير الصوفي، مع الكرة المستديرة في حالة وجد وغياب عن المشهد. مرت اللعبة بأطوار كثيرة، وهناك العديد من الدراسات والكتب والأبحاث في فلسفتها وتأثيرها وتحليل جماهيريتها والأطوار الصعبة التي مرت بها، خصوصاً مع الرومان؛ إذ في 1314 أصدر الملك إدوارد الثاني وثيقة ملكية تدين اللعبة الصاخبة التي يمارسها الرعاع والدهماء، إلى ترفع اليسار وحتى بعض الراديكاليين في الفكر الديني بمختلف توجهاته، ومع ذلك تغير كله حتى دخلت مضمار السياسة والآيديولوجيا، وشهدت اللعبة الكثير من المفارقات من بوكا جونيورز، أشهر أندية الأرجنتين والعالم شعبية، الذي ولد باسم نادي «شهداء شيكاغو» تكريماً للعمال المتمردين إلى منتخب موسوليني الذي كان يؤدي التحية الفاشية قبل كل مباراة، بينما كانت اللعبة مسألة دولة وحزب للنازيين. في أوكرانيا هناك تمثال لفريق المنتخب في دينامو كييف في سنة 1924، وفي عز أوج الاحتلال الألماني هزم منتخب ألمانيا هتلر رغم تحذير الألمان «إذا ربحتم ستموتون»... دخلوا الملعب وهم يرتجفون من الخوف والجوع، لكنهم لم يستطيعوا مع إطلاق الصفارة كبح أنفسهم عن طعم الفوز والكرامة الوطنية!
كرة القدم، حسب دراسة مطولة ومرجعية لمركز أبحاث في جامعة بروكسل، تحولت خلال عدة سنوات من ظاهرة رياضية إلى مساحة للتعرف على الهوية الوطنية لبلد ما، وذلك بدءاً من بلدان أميركا الجنوبية حتى إيطاليا مروراً بإيران ومصر وبلجيكا ودول الشرق الأوسط والخليج، هي ليست مجرد لعبة رياضية تنطوي على الربح والخسارة، بل باتت واجهة تقف خلفها الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية والمالية.
وحسب الباحث جان ميشيل دووايل، في ورقته عن الهوية الوطنية وكرة القدم، فإن التعاطف مع أي فريق يلعب دوراً إيجابياً في تحسين صورة بلاده على المستوى الدولي. وأعطى مثالاً على ذلك، بأنه «عندما تتغلب آيسلندا على إنجلترا، فهذه ليست هزيمة رياضية فقط للفريق الإنجليزي، بل هناك مصالح اقتصادية ترتبط، بشكل ما، بالنتيجة وردود الفعل عليها».
هذا ما شهدناه بشكل جلي وواضح مع كأس العالم المثيرة في قطر، حيث علقت «واشنطن بوست» على فوز المنتخب السعودي بأنه وحد العرب والمسلمين، كما أن الحملة المؤدلجة لاستهداف تنظيم قطر للبطولة أكسبها التعاطف.
في التفاصيل اليوم كرة القدم هي أداة مساواة مبنية على الجهد والعطاء داخل الملعب وخارج المستطيل، حيث المكان أوسع من مجرد الاستاد الرياضي، فهي تمثل عملية تواصلية معقدة لمستوى الاستحقاق السياسي والوطني.
ربما كان أحدث كتاب منهجي وأكاديمي دراسة كتبها باحثون مختصون، ونشرت هذا العام قبل كأس العالم بقطر تبحث في تأثير كرة القدم في منطقتنا المثخنة بالأزمات بعنوان «كرة القدم في الشرق الأوسط: الدولة والمجتمع واللعبة الجميلة»، ورصد مسيرة كأس العالم هذه منذ عام 2010 حين أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) أن قطر ستستضيف كأس العالم 2022. على الفور تقريباً، أثار اختيار الدولة الخليجية جدلاً كبيراً وأحدث تغييرات داخل مؤسسة «FIFA» التي لا تنتهي الانتقادات لها منذ نشأتها.
الأكيد أن التركيز على ملف الحقوق والعمال، رغم كل الجهود المبذولة لمعالجته، حسب الدراسة، ينطوي أيضاً على نغمة نشاز تعيدنا للدراسات الاستشراقية العنصرية التي يسلط الكتاب الضوء عليها في جانب كرة القدم، كما يقدم أطروحات مثيرة للانتباه على مستوى التحليل السياسي وعلاقته بالساحرة المستديرة بين المشاركة المجتمعية لإعادة طرح مسألة الوطنية والشرعية والسيادة، وبين تأثيرات التعصب والألتراس «الدكة... الرابطة... المدرج»، كما يوصف في الخليج، في إذكاء خطابات مقوضة للسلم الاجتماعي، كما حدث في الجزائر ومصر وبعض الدول اللاتينية.
اليوم اللعبة، وكأس العالم يشهد مرحلة جديدة تماماً عن هذه الأطروحات، تستدعي دراسات جديدة أكثر عمقاً وقدرة على فهم هذا التأثير من هدف إيبولا السويسري من أصول كاميرونية في مرمى بلاده، وتمنعه عن الاحتفال، ثم استهداف منزل عائلته في بلاده الأصلية، وحتى تلك المناكفات، في محاولة إقحام السياسة مع احتجاجات إيران، أو ملاحقة الصحافيين الإسرائيليين للدول غير المطبعة بهدف تسجيل موقف ما!
الأخطر اليوم هو تلك المحاولة المستميتة من الصوت الراديكالي في الغرب، الذي هو مزيج غير متجانس منفصل عن الواقع ومتعالٍ على التحولات من اليسار والحقوقيين وتيار اليقظة المسيطر على «السوشيال ميديا»، حتى بعض السياسيين من القلقين بشأن ملف الهويات والاندماج في بلدانهم... كل هؤلاء يفسدون اللعبة وينقلونها من المتعة والواجب الوطني إلى مربع الآيديولوجيا، في محاولة لاستنبات قيم لا تمت بصلة إلى النصيب الأكبر من مجتمعات العالم، بل وتحظى بمقاومة شرسة حتى في البلدان الغربية، خصوصاً في الولايات المتحدة.
منذ فجر التاريخ وهناك صراع كبير بين الغرائز والقيم، وما يحدث اليوم هو محاولة تحويل الغرائز إلى قيم وتضخيم وجودها إلى محدد قانوني وحقوقي بشكل لا مثيل له في التاريخ الحديث، والقصة تتطلب قراءة عميقة وواعية ودراسات جادة، فما كان يتسرب سابقاً عبر الأدب والفن والسينما هو اليوم بشكل سافر على مدرجات كرة القدم وطاولة التداول السياسي والمؤسساتي في محاولة للهيمنة الجديدة التي تتجاوز حتى منطق السياسة والسلطة إلى منطق الآيديولوجيا والعقائدية البوهيمية الجديدة!

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كرة القدم من المتعة والوطنية إلى استنبات القيم كرة القدم من المتعة والوطنية إلى استنبات القيم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab