طائر «تويتر» وحرّاس المعبد

طائر «تويتر» وحرّاس المعبد

طائر «تويتر» وحرّاس المعبد

 العرب اليوم -

طائر «تويتر» وحرّاس المعبد

يوسف الديني
بقلم يوسف الديني

لحظة دخول إيلون ماسك رائد الأعمال المثير للجدل بحوض غسل اليدين بعد شرائه منصّة «تويتر»، كانت تحمل أكثر من المعنى المسرحي الذي تحول إلى «ميمات» ميديا ساخرة على المنصة ذاتها. فالساخرون منه -خصوصاً من تيار ثقافة الاستيقاظ (woke culture) المهيمن على «السيليكون فالي» وخطاب الإعلام اليساري وبعض المنظمات الحقوقية- كانوا يقولون إنه سيغرق في بالوعة «تويتر» وحوض تفاصيلها الشرسة؛ لا سيما على مستوى المجال السياسي؛ حيث تم إلغاء حساب ترمب مع بقاء خامنئي.
بعيداً عن ساس ويسوسُ التي تعوَّذ منها الإمام محمد عبده؛ فإن حالة الهلع لدى المناهضين لإيلون ماسك تبدو متفهمة؛ فالباحة الخلفية للمؤدلجين، أو ما يمكن تسميته ديانة تيار اليقظة الجديدة، والتي بدت للأميركيين وجزء كبير من المجتمع فجّة؛ خصوصاً في ملف الأقليات والمثليين وأدلجة القيم الأميركية، ومحاولة طرح قناعات الأقلية النخبوية وفرضها على المجتمع الأميركي والعالم، باعتبارها محددات للمواطنة العالمية.
وصف هذا التيار الأقلوي في أميركا حراس معبد «السيليكون فالي» واليسار والإعلام الموجه بالديانة الجديدة ليس مبالغة، فهو يحمل مرتكزات المفهوم بمعناه السيسيولوجي، حسب فتوحات ماكس فيبر في قراءته للإصلاح البروتستانتي، وعلاقته بالنظام الرأسمالي وفالتر بنيامين وأطروحته المهمة «الرأسمالية بوصفها ديناً»، ولاحقاً أيضاً كتب برتراند راسل عن الماركسية كدين، وقراءته للطقوس حول الممارسات، وربما كان بن فيشل الأكثر تحديداً في كتابه ديانة النقود والاستهلاكية وربطها بالهوية، ولذلك يمكن اليوم أن نفهم هذه الحروب المقنعة التي كشفت عنها نزاعات منصّات التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها «تويتر» منذ اللحظات الأولى لصعود الشعبوية، وتكثيفها عبر الترمبية (Trumpism) هي اليوم رأس جبل الجليد لسياق فلسفي عميق له جذوره السياسية والاقتصادية والإعلامية، فيما يخص علاقة المحتوى بالنزاعات والسجالات المجتمعية التي انتقلت من صالونات مغلقة إلى فضاءات الإنترنت ذات الذاكرة القصيرة، التي عادة ما ترتبط بالأحداث وتستجلب المناصرين من دون أن تحظى بالتحليل والقراءة.
التأثير السياسي والاقتصادي لوادي السيليكون تحوّل إلى دولة كونية رقمية، لا ينازع سلطتها سوى محاولات طموحة من الصين وبعض الدول الأخرى المستثمرة في سلاح البيانات الذي بات اليوم وعقب كل الثورات والتحوّلات التي أحدثها في العالم، أحد أهم محرّكات التغيير التي تتجاوز قوة المجموعات على الأرض؛ من التجنيد إلى التحشيد إلى صناعة المحتوى وإدارته مما التقطته كل المجموعات التنظيمية المعارضة والمسلحة والمناوئة لمفهوم الدولة.
وكانت تجربة «تنظيم داعش» على سبيل المثال، في نقل معسكرات التجنيد من الأرض إلى الفضاء الرقمي واحدة من علامات التحوّل الكبير الذي نقل مداميك السلطة من الكتل الفاعلة في الأرض بممثليها إلى قوى رقمية لا تعكس سوى قدرتها على امتلاك البيانات، واللعب بها برمجياً عبر أسلحة جديدة من الخوارزميات إلى التسويق السياسي الرقمي، وصولاً إلى التحكم في تدفق البيانات وشيوعها.
إيلون ماسك لديه مشروع له 3 رؤوس: الجانب الشخصي المشاكس، وتسويق نفسه عبر التحول إلى علامة تجارية «Brand» يبيع مشروعاته الفرعية ذات الطابع المستقبلي وبشكل غير تقليدي، وأيضاً هو مدفوع بالاستثمار في الحرب الشرسة بين الديمقراطيين والجمهوريين والاستفادة من الفراغ الكبير التي تخلفه، وأخيراً هو الجانب الاقتصادي المحض، إعادة الاعتبار لمنصات التواصل الاجتماعي كشركات ربحية بنماذج قابلة للاستدامة وبقرارات تصحيحية حادّة، مثل واقعية توصيف الوظائف والأدوار بعيداً عن تأثير الهالة الذي يصاحب عادة المشروعات الضخمة المتصلة بالتقنية والمستقبل والفضاء، وهو الأمر ذاته الذي حدث مع قطاعات سابقة في الترفيه والمشروبات الغازية والأطعمة الجاهزة في بدايات دخولها كمنتجات متعالية على واقعها، وهو الأمر الذي تسعى له اليوم أيضاً «فيسبوك» التي أعلنت بالأمس أنها قد تحذو حذو «تويتر» في إعادة الهيكلة؛ لكن خطوة ماسك تسعى إلى التخلص من تأثير أعضاء مجلس الإدارة والموظفين في الصفوف الأولى من الداعمين لتيار وثقافة المستيقظين؛ بل وإلغاء أقسام تتصل بالأدلجة، كحقوق الإنسان، والتي استدعت بياناً تحذيرياً وقلقاً من الأمم المتحدة! في رسالة بعثتها بشكل شخصي إلى ماسك!
إيلون ماسك أخذ مبادرة التعبير عن صوت المقموعين من التيار المهيمن على «السيليكون فالي» وأعلن عن مشروعه بوصفه تحويل الإنترنت و«تويتر» إلى ساحة شارع حقيقية، الناس فيها يقفون على قدم المساواة، وأن الشركة ستدير شؤونها كأي شركة ربحية، وعبر اشتراكات للتوثيق لا علاقة لها بالتحيّز كما كان في السابق؛ حيث الكثير استوفى الشروط ولم يجتزها بسبب موقفه السياسي أو ميوله الثقافية، وهذا سيفضي إلى فتح ملفات ربما تكون كارثية على مستوى ممارسات الإدارة السابقة، والتي طالت إيلون ماسك الذي خسر العديد من القضايا بسبب تغريداته وأسلوبه التهكمي. وهو بالمناسبة ممارس نشط للغاية، ويحاول أن يؤثر بأطروحاته على قيمة المنتج، مثلما فعل مع «تيسلا» وطريقة حديثه عن المستقبل البشري وأسلوب الحياة الرقمية، مما يجذب الشريحة الأكبر، جيل ما بعد الألفية «Generation Z».
السؤال اليوم: أين يقف بقية العالم مما يحدث في «تويتر»؟ والحال أن معظم التحليلات خارج إطار التحشيد والدعم أو الرفض أو المخاوف والتساؤلات حول مستقبل «تويتر»، لا تتخذ موقفاً واضحاً كان من المفترض اليوم أن تبادر إليه دول العالم التي عانت طويلاً سيطرة التيارات التي تتذرع بالتقدمية لفرض قيمها الخاصة، وأنه يجب اليوم توحيد رؤية عالمية حول دور وحدود هذه الشركات والقوانين، وضرورة إعادة هيكلة التعامل معها من التعريف إلى الممارسة؛ خصوصاً أنها كانت تتذرع بأنها مجرد منصات لتمرير المحتوى وليس إنتاجه، وهو ما نفته الممارسة والتحيّز السياسي واحتكار البيانات، وهو أمر يناقش بجدية اليوم في مراكز الأبحاث وخزانات التفكير في الولايات المتحدة نفسها، ومنها كتابات العديد من أبرز مفكري العالم، ومنهم فوكوياما وفريق عمله في جامعة ستانفورد الذين ابتكروا منصّة لبرنامج بحثي عميق يناقش علاقة الديمقراطيات بالإنترنت.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طائر «تويتر» وحرّاس المعبد طائر «تويتر» وحرّاس المعبد



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
 العرب اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
 العرب اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab