الإخوان بين «طارقين»

الإخوان بين «طارقين»

الإخوان بين «طارقين»

 العرب اليوم -

الإخوان بين «طارقين»

عبدالله بن بجاد العتيبي
بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

الطارقان هما طارق رمضان وطارق السويدان، «إخوانيان» معروفان، أحدُهما من مصر، وهو حفيد مؤسس جماعة «الإخوان» حسن البنا، والثاني كويتي من كوادر الجماعة هناك، ترقَّى حتى أصبح من القيادات، بحسب وصفه لنفسه.

طارق رمضان كان يقدّم نفسه مفكراً إسلامياً، والقضايا التي يحاكم عليها في فرنسا هي في مجملها جرائم اغتصاب لسيداتٍ، بعضهن معاقات حركياً، وقد أعلنت المحكمة إقامة قضيتين جديدتين ضده الأسبوع الماضي، ما يعني أن تلك القضايا ربما لم تكن نزوة فقط، وقد تكون هناك قضايا أخرى لم تظهر للعلن بعد، وربما في بلدانٍ متعددة، لا في فرنسا وحدها، وهذا أمرٌ ستظهره الأيام وأحكام المحاكم.

الزنا والاغتصاب أثارا جدلاً لدى جماعة «الإخوان» المصرية منذ تأسيسها، وهذه إحدى المصائب الكبرى التي جنتها الجماعة على الإسلام والمسلمين، فقد روت عناصر الجماعة، وأهمهم أحمد السكري، عن صهر حسن البنا والقيادي الكبير في الجماعة عبد الحكيم عابدين أنه كان يغتصب النساء من «الإخوان»، ما أثار لغطاً كبيراً في حينه داخل أروقة الجماعة، ولأن حسن البنا كان سياسياً ولم يكن فقيهاً ولا متديناً فقد دافع باستماتة عن صهره وزوج اخته، وغطى على أفعاله، فصار هذا نهجاً لدى الجماعة، وقد انتقل من جماعة «الإخوان» إلى جميع فروعها من جماعات الإسلام السياسي وتنظيمات العنف الديني على مدى عقود، وصولاً لطارق رمضان الذي يُتَّهمُ الآن في قضايا اغتصاب لا تنتهي، والتي سيحسمها القضاء.

أسَّسَ عابدين «نظام التزاور» ودخل من خلاله بيوت أسر الجماعة، ولم يستطع أحمد السكري ثاني شخصٍ في تأسيس جماعة «الإخوان» استيعاب الصدمة، واستنكر ما فعله عابدين، وكان حريصاً على محاكمته ومعاقبته، وأدانته لجنة أولى داخل الجماعة، لكن صدمة السكري الكبرى كانت من دفاع شريكه في التأسيس والمرشد العام حسن البنا عن عابدين لحساباتٍ سياسية تحكم تفكير البنا، ليست لها علاقة بالدين، فشكَّلَ لجنة ثانية برّأت عابدين، فلم يطق السكري الصمت، فكتب الخطابات، وحبّر المقالات شارحاً حجم المصيبة لعناصر الجماعة، ثم للرأي العام في مصر، لكنّ السكري في نهاية المطاف هُزم ونُحي عن الجماعة، وبقي نهج الجماعة مستمراً.

حجم الاتهامات ورفع الدعاوى المنتشرة اليوم على رمضان، يجبر كثيراً من رموز الجماعة ورموز الإسلام السياسي على الصمت، فلا يدافعون عنه خوفاً من تلطخ سمعتهم وفضح المستور والمسكوت عنه داخل أروقة هذه الجماعات، والذي يعرفه كل من انخرط معها أو دقَّق في البحث والتقصي خلفها، وهذه مبيَّنة بقصص كثيرة من بلدانٍ متعددة لا يمكن إحصاؤها.

أما الكويتي طارق السويدان فهو وإن لم يعرف عنه الاغتصاب الأخلاقي فهو علمٌ في الاغتصاب السياسي للسلطة تخطيطاً وتنفيذاً، سواء في الكويت أم في أميركا أم في عدد من البلدان العربية التي وصل إليها نشاطه، ويكفي لأخذ لمحة سريعة عن ذلك مشاهدة التقرير المطوّل الذي بثّته قناة «العربية» قبل أيامٍ تحت اسم «أجندة الفوضى» ليأخذ فكرة مختصرة عن خطر هذا الشخص.
عرف السويدان في التسعينات بأشرطة كاسيتٍ كان يصدرها آنذاك، ويتناول فيها عصر الصحابة أو ما يعرف تراثياً بـ«الفتنة الكبرى»، وللمفارقة فقد كان متزامناً مع انتشارٍ واسعٍ لتيار من «أهل الحديث» في دول الخليج والدول العربية، وهو انتشارٌ شهدت له غزارة الإنتاج كتباً وكاسيتاتٍ وأعداد الطبعات وسوق النشر والأرباح التي تدرها الكتب الحديثية وغيرها من الشواهد.

انتشار هذا التيار من أهل الحديث وقوتهم في ذلك الوقت، بين طلبة العلوم الشرعية جعل السويدان محط احتقارٍ وسخرية مرة من الجميع، لأنه بكل بساطة كان جاهلاً تماماً بعلوم الحديث والرجال والعلل، وكل ما ينتسب لهذا العلم من قريبٍ أو بعيدٍ، مع عجزٍ كامل عن التمييز بين المصادر والمراجع التي ينقل منها سرده الطويل للأحداث التاريخية الحساسة، وفقدانٍ لأي أدواتٍ نافعة في المقارنة والتحليل.

ولئن استعصى على السويدان علم الحديث، فإن نصيبه من معرفة التاريخ ومناهجه وأصوله ومراجعه كان أدهى وأمرّ، ما جعله يعتمد كلياً على قراءاتٍ سطحية جداً لسرد الأحداث من دون أي جهدٍ أو فحصٍ أو تدقيق، وكم كان معيباً ومحلَ تندرٍ أنه لم يكن يحسن نطق أسماء أعلام الصحابة والتابعين بشكلٍ صحيح، والأمثلة مخجلة، مثل نطق «يعلى» بالألف المقصورة هكذا «يعلي» بالياء.
ولكن إذا كان بهذه الدرجة من الجهل والسطحية، فلماذا حظي بانتشارٍ واسعٍ لكاسيتاته؟ لأسبابٍ متعددة، منها أنه خاض فيما كان يتجنبه جملة أهل السنة من الخوض فيما شجر بين الصحابة، ومنها أن تلك الفترة كانت مشحونة بصراعاتٍ بين تيارات الإسلامويين، وتحديداً بين التيارات السلفية من جهة، وتيارات الإسلام السياسي من جهة أخرى، ما دفع جماعات الإسلام السياسي لدعمه بشكل غير محدود، وقد وافق ذلك حرص عامة الناس على سماع كل تفاصيل تلك الشحناء المسكوت عنها في التاريخ الإسلامي وبأسلوبٍ سهلٍ ومبسطٍ.

وبعد ذلك دخل السويدان في العلوم الخرافية المستحدثة في تلك الفترة مثل علم «الأنل بي» ونحوه، والتي فتن بها رموز الإسلام السياسي أيما فتنة، وتنقل فيها حتى وصل لما يسميه هو «علم التغيير» وهو نهج جماعة «الإخوان» الجديد حينها، ومنه «أكاديمية التغيير» في قطر وغيرها، والتغيير مفهومٌ مقصودٌ وصلت إليه جماعة «الإخوان» عبر مراحل، وتلك قصة أخرى.

قصص عن عابدين، وأخرى عن رمضان، والسويدان من جهته سار على خطى مواطنه عبد الله النفيسي؛ حيث الكذب مباحٌ، ودفع الشباب للمهالك والبقاء بعيداً عن أي صدام، وتقديم النصح بالإرهاب دون التورط فيه، وهو نهج الجبناء من الإرهابيين الذين كان يسمي أشباههم تراثياً بـ«قعدة الخوارج».

النهجان مستمران في خطاب الجماعة ورموزها، إلا أن نهجَ محاولات اغتصاب السلطة الأكثر بشاعة وإجراماً.

يكفي لأي باحثٍ أن يرصد ظاهرة الشذوذ لدى هذه الجماعات ليجد الأمثلة لا تحصى، ويكفي لأي مراقبٍ أن يستحضر الربيع الأصولي قبل عقدٍ من الزمان، ليعرف كم من الدماء والدمار يمكن لجماعة «الإخوان» أن ترتكب للوصول إلى السلطة.

أخيراً، فقد جاء في الحديث عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قوله: «اللهم إني أعوذ بك من شرّ كل (طارقٍ) إلا طارقاً يطرق بخير».

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإخوان بين «طارقين» الإخوان بين «طارقين»



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab