بقلم: عبدالله بن بجاد العتيبي
في السياسة كل شيء مباح، والممنوع والمسموح تتحكم فيه المصالح والعلاقات وطبيعة الصراع، وزيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي لتايوان زيارة تاريخية، لأنها مثلت قراراً أميركياً واعياً بتصعيد الصراع مع الصين.إدارة الرئيس بايدن تعلن صراحةً أن من أولوياتها مواجهة الصعود القوي لتأثير الصين دولياً، اقتصادياً وسياسياً، وهي لأجل هذه الأولوية أرادت التخلّي عن «الشرق الأوسط» ومشكلاته، وقد رجعت للشرق الأوسط بعدما أدركت الخطأ الفادح الذي وقعت فيه وقد عادت وفق شروط دول المنطقة المؤثرة والفاعلة، وبعد زيارة الرئيس بايدن وقمم «جدة» وافقت أميركا على صفقتين عسكريتين كبيرتين، الأولى صفقة منظومة صواريخ «ثاد» للإمارات بأكثر من ملياري دولار، والثانية صفقة صواريخ «باتريوت» للسعودية بأكثر من ثلاث مليارات دولار.
«الحرب الروسية الأوكرانية»، و«زيارة بيلوسي لتايوان» حدثان كبيران حرّكا وسيحركان توازنات القوى الدولية بشكل كبيرٍ وسيكون لهما ما بعدهما، فروسيا لم تقترب من أميركا، بل أميركا هي من فعلت ذلك في أوكرانيا، والصين لم تقترب من أميركا، بل أميركا هي من فعلت ذلك في تايوان، والاقتراب من مسائل شديدة الحساسية على المستوى الدولي بمثل هذه الطريقة لا تعبّر صراحةً عن الإمبراطورية الأميركية القوية والذكية والعاقلة.
بحسب «وام» وكالة الأنباء الإماراتية، فقد «أكّدت دولة الإمارات على دعمها لسيادة الصين ووحدة أراضيها، وأهمية احترام مبدأ«الصين الواحدة»، داعية إلى الالتزام بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة» وفي بيان وزارة الخارجية أشارت دولة الإمارات «إلى قلقها من تأثير أي زيارات استفزازية على التوازن والاستقرار والسلام الدولي»، وهذا الموقف الإماراتي الرصين يعبّر عن موقف كثيرٍ من دول العالم الساعية إلى الاستقرار والسلام الدوليين دون الدخول في الصراعات المباشرة بين القوى الدولية الكبرى، بما لا يخدم المصالح الوطنية لكل دولة، وهو طريق جديد في السياسة الدولية له ما بعده.
نفس الموقف تكرر سابقاً تجاه «الحرب الروسية الأوكرانية» ولا تخطئ العين التشابه في الحالتين وتفتيش كثيرٍ من دول العالم عن مخرجٍ سياسيٍ واقعي وعقلاني، بعيداً عن أي استعجال أو اندفاع ليسا من أدوات الصراعات الاستراتيجية الدولية.
الصراع الأميركي الصيني ليس جديداً، ولكن الصين دولةٌ كبرى صاعدةٌ بقوةٍ في التأثير الدولي على مدى سنواتٍ طويلةٍ، وأميركا الإمبراطورية الأقوى في التاريخ دولةٌ بدأت قبل سنواتٍ بالهبوط الإمبراطوري بناء على رؤية سياسيةٍ وإرادةٍ أميركية تمّ التعبير عنها من قبل الرئيس الأسبق «باراك أوباما» وعددٍ من رموز الحزب «الديموقراطي» الأميركي، ومحاولات الاستدراك عبر تحركاتٍ سريعةٍ في الصراعات الاستراتيجية الدولية عواقبها تحتاج إلى دراسة وتمعنٍ.
في الحرب الروسية الأوكرانية تمّ دفع أوكرانيا دفعاً لمواجهة خطيرةٍ جداً مع روسيا لا تراعي المصالح الأوكرانية أكثر من أن تؤثر في موازين الصراع الدولية، وتم التضحية بمصالح أوروبا لنفس الغرض وبذات الطريقة، وما جرى في تايوان هو سيناريو مشابه لما جرى في أوكرانيا. العقوبات الأميركية القاسية على روسيا بعد هذه الحرب، كان يراد بها إخضاع روسيا وإجبارها على عدم التفكير في مثلها مستقبلاً، وكان يراد بها إرسال رسالة إلى الصين حتى لا تتحرك تجاه «تايوان» وجنوب المحيط الهادئ.
والواقع أن أميركا هي التي تحركت تجاه تايوان بزيارة لم يحدث له مثيلٌ في التاريخ الحديث في طريقتها تخطيطاً وتنفيذاً، وما تسببت به من استفزازٍ كبير للصين كان أمراً طبيعياً ومتوقعاً. أخيراً، ففي الصراعات الاستراتيجية الدولية لا يكون الردّ بنفس الطريقة وذات الأسلوب، بل المجال مفتوحٌ لرسم طرق استجابة مختلفة ومتعددةٍ وهو ما سيثبته المستقبل.