سوريا والصفقة الكبرى

سوريا والصفقة الكبرى

سوريا والصفقة الكبرى

 العرب اليوم -

سوريا والصفقة الكبرى

بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

 

التشكل الجديد للشرق الأوسط قائمٌ على قدمٍ وساقٍ، لا مؤامرةَ ولا تخيلَ، بل واقعٌ يدل عليه التحليل السياسي والقراءة الواقعية والمنطق التاريخي. وحديث التاريخ يخبرنا أن الصراعات الكبرى إذا وصلت للحروب فمن يبتدئوها لا يتحكم بنهايتها، ومنذ أكثر من عامٍ والمنطقة على صفيحٍ ساخنٍ.

لطول العهد يتوقع الكثيرون أن مواضعاتٍ السياسية لا يمكن أن تتغير، والذي يقوله التاريخ والواقع هو أن كل شيء برسم التغيير حين تتوفر الإرادات وتلتقي المصالح، ويستهلك القائم مشروعيته، وللمرة الأولى منذ أربعين عاماً تبدو المنطقة مستعدةً فعلياً وفي كل المجالات لتغييرات كبرى وإعادة تأسيسٍ لمراكز القوى تفرق بين الحقيقي والمصطنع، وللمرة الأولى تبدو الدول العظمى متوافقةً على تغييراتٍ كبرى ستغير وجه المنطقة.

الحديث هنا هو عن مواضعاتٍ سياسيةٍ استمرت عقوداً من الزمن، بعضها لأكثر من سبعة عقودٍ، وبعضها لأكثر من أربعةٍ، ولكنها جميعاً باتت مهترئةً وغير قابلةٍ للاستمرار، وبقاؤها لا يخدم أحداً على المستويين الدولي والإقليمي، على حدٍ سواء، ولحظة التغيير قد حانت، والرابح من استطاع حماية مصالحه وتطوير مواقفه وسياساته لتحصيل أعظم المنافع وتجنب الخسائر.

حديث الأرباح والخسائر في الصراعات الكبرى يشبه حسابات البنوك الصارمة، حيث لا مكان للعواطف ولا مجال للمشاعر، إنما هي الأرقام والمنافع، السيادة والهيبة، الاستقرار والمستقبل، ودول شرق المتوسط العربية بالتوصيف الجغرافي الغربي، ودول العراق والشام بالتسمية التاريخية التي لا يعيبها شيء، هي دولٌ ذات سيادةٍ ومعترفٌ بها دولياً، ولكن مصائرها اختلفت بناء على تغيرات السياسة الكبرى في المنطقة.

بعد العملية الإرهابية لتنظيم «القاعدة» ضد أميركا في 2011 أسقطت أميركا دولتين: حكم «طالبان» بأفغانستان في 2001، وحكم حزب «البعث» في العراق في 2003، وفي 2003 بدأت «طالبان» تعيد تشكيل صفوفها وبدأت الجماعات الإسلامية تنشط في العراق، وكلاهما بدعمٍ إقليميٍ، وقبل أن تستقر الأوضاع قررت سوريا في 2005 وبدعم إقليميٍ ذي مشروعٍ توسعيٍ أن تهيمن على لبنان، فانفتح مسلسل الاغتيالات السياسية التي ذهب ضحيتها العشرات بدءاً برفيق الحريري ومَن بعدِه؛ لتحويل لبنان لشبه دولة.

من دون حرق المراحل، ففي عام 2006 دخل «حزب الله» اللبناني «مغامرةً غير محسوبةٍ» استطاع بعدها تدمير الدولة اللبنانية، وتصفية كل خصومه، والحفاظ على شعارات «المقاومة» و«الممانعة» مرفوعةً لأهدافٍ لا علاقة لها بلبنان، وفي عام 2007 استطاع فصيلٌ فلسطيني الانقلاب على السلطة الفلسطينية انقلاباً عسكرياً دامياً في غزة، وهو فصيلٌ له ولاءان إقليميان لمشروعين غير عربيَّين في المنطقة، أحدهما طائفي والثاني أصوليٌ، وفي 2011 دعمت أميركا وبقوة اضطرابات ما كان يُعرف بـ«الربيع العربي» وهو ربيع الإرهاب.

شهدت سوريا أطول حربٍ أهليةٍ في المنطقة، وتدخلت كل دول العالم تقريباً فيها، دولياً وإقليمياً، ميليشياوياً وإرهابياً، شيعياً وسنياً، والتقت على قدرٍ «ميليشيات» الأقليات المتوحشة مع «تنظيمات» الإرهاب، وعاث الطرفان فساداً في العراق وسوريا ولبنان واليمن مع امتداداتٍ لا تخفى على المراقب، وكان في المشهد خاسرٌ ورابحٌ.

ما قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 ليس مثل ما بعده، فقد كانت دول المنطقة العربية تشهد بزوغ فكرٍ جديدٍ يفتش عن الاستقرار والتنمية والتقدم والرقي، وبات هذا النموذج مغرياً بقوةٍ لكل شعوب المنطقة، فترى فيه خلاصاً من محن التاريخ ومعوقات الماضي وتعثر التنمية وغياب المستقبل، ودب الأمل الواقعي والقريب المنال في العقول قبل القلوب، فقرر البعض أنه يجب أن يشعل المنطقة حتى تبقى في التخلف الحضاري والهويات القاتلة التي تخدم مصالحه.

فقامت حينها الحرب في غزة بناء على قرارٍ واعٍ، وأصبحت غزة مأساةً تاريخيةً سيحفظها التاريخ، وبتكرار المغامرة نفسها غير المحسوبة التي فعلها «حزب الله» اللبناني في عام 2006 دخل لبنان شبه الدولة، على الخط بقرارٍ ليس له، وقامت فيه حربٌ ما زالت أقل من مأساة غزة، ولكنها كسرت شوكة «الطائفية العسكرية» ثم طاولت الحرب داعميها في سوريا، بل وفي الدولة الإقليمية الأكبر عبر ضربات عسكرية غربية لم تتوقف، وطاولت كذلك اليمن والعراق.

بتدريب عالٍ، وتخطيط مدروس، وتسليح مختلف تحركت قوى المعارضة السورية بدعمٍ تركيٍ كاملٍ، واخترقت سوريا، من إدلب إلى حمص في أيامٍ معدودةٍ، والأهم أن الخطاب المطروح لم يعد خطاباً إرهابياً صريحاً، بل فيه مفرداتٌ من الحرية والمدنية.

أخيراً، فطلب دولٍ مثل روسيا والصين وغيرهما رعاياها بالمغادرة، والتغير الصارخ في المواقف يجلي المشهد عن صفقة كبرى تمت وتبقى رصد تجلياتها.

arabstoday

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

GMT 03:36 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 03:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

توفيق الحكيم!

GMT 03:31 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أخطار جديدة

GMT 03:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخاطر (أفغنة) سوريا (2)

GMT 03:27 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الأفلام القصيرة في قرطاج!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا والصفقة الكبرى سوريا والصفقة الكبرى



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab