منصات الدراما وتزوير تاريخ الشعوب

منصات الدراما وتزوير تاريخ الشعوب

منصات الدراما وتزوير تاريخ الشعوب

 العرب اليوم -

منصات الدراما وتزوير تاريخ الشعوب

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

سرقة تراث الشعوب وتاريخ الأمم جريمة، وتزويره وتجييره لإرضاء لوبيات مؤثرةٍ وتياراتٍ منظمةٍ في أميركا جريمةٌ أخرى، وهو ما أصبح يثير الكثير من الجدل المستحق جرّاء تصرفاتٍ باتت تخرج من «هوليوود» الأميركية ومنصات الدراما الحديثة في «نتفلكس» ومثيلاتها. «الشذوذ الجنسي» واحدٌ من المؤشراتِ التي باتت علامةً فارقةً في كثيرٍ من الإنتاجات الدرامية الأميركية والغربية عموماً، وأخذت معارك تدور داخل أميركا وخارجها ضد تكثيف الشذوذ وتطبيعه عبر الدراما، بل وصل الأمر ببعض الإنتاجات أن أصبحت تسوّق الشذوذ عند الأطفال وفي الدراما التي تخاطبهم من أفلام كرتونية أو غيرها. ضمن السياق الأميركي كانت معاناة «السود» طويلة جداً مع الرقّ والعبودية، ومع الممارسات العنصرية البغيضة ضدهم إلى عقودٍ قريبةٍ مضت، وقد استطاع السود عبر الكثير من الحركات والمنظمات والرموز والقيادات التي تمثلهم منذ الخمسينات والستينات أن يتحصلوا على الكثير من حقوقهم، وأن يصل أميركي أسود لرئاسة الولايات المتحدة تتويجاً لتلك الجهود المتعاقبة، ووصل النجاح لديهم إلى «هوليوود» والدراما، وأصبح ثمة إنتاجات ضخمةٌ يكون أبطالها الخارقون من ذوي البشرة السوداء مثل «بلانك بانثر». وبعض هذه الحركات والمنظمات المعاصرة بدأت تشطح وتخرج عن السياقات الطبيعية لتطور سابقاتها، ونجد حركة مثل «بلاك لايف متر» أو «حياة السود مهمة» وغيرها تقوم بعمليات احتجاجية تهدد أمن المجتمع المحلي الأميركي، وفي سياق الدراما تتجه منصة «نتفلكس» لإنتاج عملٍ عن «كليوباترا» المصرية التي هي من أشهر رموز التاريخ المصري القديم، ولكن مجاملةً لهذا التيار تجعلها «سوداء البشرة». قامت قيامة المصريين، داخل مصر وخارجها، وبعضهم من المتأثرين بطروحات اليسار الليبرالي الأميركي، ولكنهم لم يستطيعوا تحمّل مثل هذا التزوير الفج والسطو العلني على تاريخٍ ضاربٍ بأطنابه في القدم، من أجل حفنةٍ من اللوبيات المؤثرة داخل أميركا، وكانت الردود مستحقةً في احتجاجها ورفضها هذا العبث الحقيقي. مع تفشي ظاهرة «التفاهة الممنهجة» في العالم بأسره وعلى المستويات كافة فإن أثر الدراما يتجاوز الترفيه إلى الثقافة والمتعة إلى التاريخ، وهنا تتضاعف المشكلة، فيصبح تناول التاريخ أو الثقافة باستخفافٍ بيّنٍ وتزييفٍ ظاهرٍ مثار جدلٍ كبيرٍ؛ ذلك أن كثيراً من المشاهدين سيعدون ما تطرحه الدراما مسلَّماتٍ تاريخيةً أو ثقافيةً، وسيبنون عليها آراءً ومواقف متعددة، وتلك مشكلة حقيقية. لتفهم غضب المصريين يمكن للقارئ تخيّل تاريخه الشخصي أو العائلي، ومن ثم تاريخه الوطني ورموزه، وتاريخه العربي الطويل كقوميةٍ وتاريخه الإسلامي كأمةٍ، ثم يستحضر شخصياته الرئيسية والبارزة، ثم يتصور أن تُنْتِج عنه هذه المنصات أعمالاً دراميةً كبرى، ولكنها تعبث به أيما عبثٍ، فتبرز فارساً مغواراً على أنه «شاذّ» جنسياً، أو قائداً أو خليفةً على أنه «أسود البشرة»، وهي تصنع ذلك لإرضاء لوبياتٍ أميركية أو غربية معاصرة، ضاربةً بعرض الحائط كل حقائق التاريخ ومسلَّماته، وهو أمرٌ سيحدث بالتأكيد إذا استمرت التطورات بالاتجاه نفسه. تغاضيت عمداً عن عدم تسمية أمثلةٍ من أسماء وطنيةٍ أو عربية أو إسلاميةٍ هنا قد تكون صادمةً للقارئ، ولكن بإمكان القارئ استحضار أي اسم ذي قداسةٍ أو مكانةٍ دينيةٍ أو سياسيةٍ أو علميةٍ لتتضح له الفكرة، ويتصوّر فداحة الجناية على التاريخ، والعبث به دون أي مسوغاتٍ دراميةٍ حقيقيةٍ. الدراما واحدةٌ من أهم أدوات القوة الناعمة المعاصرة، ويمكن من خلالها إيصال رسائل هادفةٍ وبالغة الأهميةِ سياسياً وثقافياً واجتماعياً، وإدراك ذلك يفسّر الميزانيات الضخمة التي ترصد لإنتاجها على المستويات كافة دولياً وإقليمياً، ويفسر حجم أسواقها المليارية حول العالم، ومن هنا فهي موضوع جادٌ جداً، وأكبر من أن يُترك لبعض الفنيين الذين لا يدركون أبعاده وخطورته. في الشرق الأوسط هناك صراعات على التميّز في الدراما، وعلى استخدامها بوصفها قوةً ناعمةً للتأثير في الجمهور المستهدَف في المنطقة، ويكفي هنا نموذجان: النموذج التركي والنموذج الإيراني، في النموذج التركي هناك أكاذيب تاريخية وافتراءاتٌ على شعوب المنطقة، وتمجيد لتاريخ الأتراك ينافي ما جرى في التاريخ، وهناك إنتاجاتٌ دراميةٌ لا علاقة لها بالتاريخ تروّج لتركيا بوصفها بلاد الحب والغرام والسياحة والثقافة، ولئن كانت النجاحات الدرامية المحضة حقاً لتركيا كما هي حقٌ لغيرها، فإن الدراما التاريخية ليست كذلك. الدراما الإيرانية نوعان، نوعٌ مدعومٌ من الدولة، ونوعٌ عامٌ يمثل المعارضة أو هو مستقلٌ، النوع الثاني هو إنتاجٌ فنيٌ له معايير لقياسه، أما النوع الأول فهو دراما مسيّسةٌ، وهي حين تتناول التاريخ تكون دراما طائفيةً فجةً ومذهبيةً فاقعةً، ولذلك فالفرق كبيرٌ بين الدراما التركية والإيرانية في هذا السياق. كثيراً ما خدمت الدراما الأميركية سياسات واشنطن على المستويات كافة، وفي الأزمات والملفات كافة، فكرياً وسياسياً، واجتماعياً وثقافياً، والقائمة طويلةٌ في هذا السياق، وقد تعلمت تركيا من ذلك إقليمياً، وبرزت إنتاجاتها الدرامية التاريخية تمجد التاريخ العثماني القاتم، وتصف جرائم الأتراك التاريخية بحق الشعوب العربية على أنها بطولاتٌ تركيةٌ. الدراما العربية هي الغائب الأكبر عن هذا الصراع الدرامي الإقليمي، وهي موجودةٌ، ولكنها متأخرةٌ عن مثيلاتها، وهذا لا يقلل بحال من نجاحاتها في استهداف المشاهدين العرب أو المواطنين في كل دولةٍ، أما التأثير في الدراما العالمية فهو مطمحٌ ما زال بعيد المنال، ويحتاج فكراً ورؤيةً تتجاوز الواقع وتحدياته إلى المستقبل وطموحاته. حتى ندرك جناية الدراما المزيفة على التاريخ فلنتصوّر «عمر بن الخطاب» أو «معاوية بن أبي سفيان» أسود البشرة، وليس مقصود هذا السياق التقليل من سواد البشرة بأي شكلٍ من الأشكال، فهذا مخالفٌ للإنسانية، ولكن المقصود أنه افتراءٌ على التاريخ، فهما صحابيان جليلان، وخليفتان عظيمان، وهما عربيان من قبيلة قريش الحجازية المعروفة، وبالمقابل، فلنتخيل عملاً درامياً يخرج «بلال بن أبي رباح» أو «عنترة بن شداد» أبيض البشرة أزرقي العينين، ولو حدث شيء من ذلك فهو افتراء على التاريخ وتزويرٌ له دون أي مسوغٍ. أخيراً، فثمة معايير يمكن وضعها لإنتاج الدراما التاريخية حتى لا تقع في التزوير والافتراء، وهي مختصرةٌ ومهمةٌ وتصنع الفارق، وهناك تجارب أميركية وأوروبية قبل عقودٍ من الزمن لصناعة تلك المعايير، ونحتاج مثلها عربياً في هذه المرحلة.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

منصات الدراما وتزوير تاريخ الشعوب منصات الدراما وتزوير تاريخ الشعوب



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
 العرب اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 08:36 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها
 العرب اليوم - ياسمين رئيس في لفتة إنسانية تجاه طفلة من معجباتها

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا

GMT 18:29 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 17:20 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 11:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الاحتلال ينسف مبانى بحى الجنينة شرقى رفح الفلسطينية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab