دموع التوبة ونشيجها

دموع التوبة ونشيجها

دموع التوبة ونشيجها

 العرب اليوم -

دموع التوبة ونشيجها

بقلم - د. محمود خليل

انتهت قصة آدم عليه السلام بكلمات ألهمها له الله، رفع وجهه إلى السماء ونطق بها وتقبلها الخالق الرحيم منه وتاب عليه.. يقول الله تعالى: "فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم"، اجتهادات كثيرة ساقها المفسرون في محضر تحديد هذه الكلمات، لكن أغلب الظن أن هذه الكلمات مفسرة -كما يذهب "ابن كثير"- بقوله تعالى: "قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين".

المشهد الختامي من قصة "آدم" يشير إلى وقوع اتصال من نوع ما بين الخالق العظيم وخليفته في الأرض، تلقى "آدم" كلمات التوبة خلاله، فقد ظل أبو البشر يستغفر ربه بعد أن هبط إلى الأرض، ويدعوه أن يقبل توبته عما اقترف من المعصية، واستمع الله إلى نشيج الندم المتدفق عبر صوته، ونظر إلى دموع الندم التي تدفقت من عينيه، فتاب سبحانه عليه، وغفر له، ومع هذه التوبة حانت لحظة عودة روح آدم عليه السلام إلى بارئها، بعد أن انتهت رسالته.

استفاد نجيب محفوظ من هذا المشهد الختامي في بناء المشهد المقابل في قصة "أدهم"، فوصف كيف هد الحزن "أدهم"، وكيف سكن الهم كل خلية من خلايا جسده فأمرضها، وباتت أغنامه مهددة بالهلاك، بعد أن ضاع ابناه، واحد بالقتل والآخر بالفرار من المنزل، وفي ظلام المحنة الكبرى التي عاشها المسكين، جاءته بارقة أمل في لحظة استثنائية من عمر الزمن، أنصت فيها إلى وقع أقدام يعرفها جيداً، تقترب من الكوخ الذي يرقد فيه، نعم إنه هو، الجبلاوي، أبوه الذي طرده من البيت الكبير.

لم يصدق "أدهم" نفسه وهو يرى صورة "الجبلاوي" واقفاً أمامه، في حين يرقد هو على السرير عاجزاً عن القيام، أخذ يبكي فسأله الأب: "أنت تبكي وأنت الذي أخطأت"، فقال أدهم بصوت يشرق بالدمع: "الخطأ كثير والعقاب كثير ولكن حتى الحشرات المؤذية لا تيأس من العثور على ظل".. فرد الجبلاوي: "هكذا تعلمني الحكمة!"، فقال أدهم: "عفوا عفوا، الحزن أرهقني، والمرض ركبني، حتى أغنامي مهددة بالهلاك، أنجبت قاتلاً وقتيلاً.. فقال الجبلاوي: "الميت لا يعود.. فماذا تطلب؟".. تنهد أدهم وقال: "كنت أهفو للغناء في الحديقة ولكن لن يطيب لي اليوم شىء".. فقال الجبلاوي: "سيكون الوقف لذريتك.. لا تجهد نفسك واركن إلى النوم".

هكذا كتبت عبقرية نجيب محفوظ السطر الأخير في قصة "أدهم" مستدعيا الأصل القرآني، ومستلهما الآية الكريمة التي انتهت إليها القصة حين تلقى "آدم" من ربه كلمة التوبة، ولهج بها فتاب الله عليه.

لقد أراد الأديب الكبير التأكيد على فكرة أن نبي الله آدم عليه السلام يمثل أصل كل شعوب العالم، وأن من الوارد أن يتصوره كل شعب تبعاً لثقافته وتكوينه وتركيبته.. فالأمريكي يتصور أبا البشر أمريكياً، والأوربي يتصوره أوربياً، والصيني يظنه صينياً، وقد أراد نجيب محفوظ أن يقدم النسخة المصرية من آدم عليه السلام، عبر حكاية "أدهم" التي تصدرت رواية "أولاد حارتنا"، وقد تفوق المصريون بهذا الإبداع "ألمحفوظي" على غيرهم من شعوب العالم.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

GMT 06:08 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

الحل في ليبيا بإخلائها من الميليشيات

GMT 06:05 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

مشهد لا يتسق مع تاريخ فرنسا القريب

GMT 06:01 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

عن موريتانيا وأوضاع الشغب الانتخابي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دموع التوبة ونشيجها دموع التوبة ونشيجها



نجوى كرم تُعلن زواجها أثناء تألقها بفستان أبيض طويل على المسرح

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 16:44 2024 الثلاثاء ,02 تموز / يوليو

قائمة تضم 14 فاكهة توفر أعلى وأقل كمية من السكر

GMT 05:52 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

عاصفة شمسية ضخمة تتجه نحو الأرض خلال ساعات

GMT 03:15 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

السعودية تعرف طريقها المرسوم
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab