بقلم : عادل درويش
«جماعية المجلس» عبارة يرددها وزراء حكومة السير كير ستارمر، بشأن القرارات وتحمل المسؤولية؛ بينما تبدو تصريحاتهم مناقضة لتصريحات زملائهم، خصوصاً في أهم ما يشغل المواطن ورجال الأعمال والمستثمرين، وهو الاقتصاد. الساسة دائماً ما يكررون التصريح بمبادرات لتنمية اقتصاد شبه متوقف من دون خطة واضحة للخروج من الكساد. النمو الاقتصادي في نظام رأسمالي كبريطانيا، يعود إلى استثمارات ونشاط القطاع الخاص، أما مهمة الحكومة فتقتصر على تعديل القوانين واللوائح لخلق أفضل مناخ للتنمية والاستثمار، وهو عكس سياسة «العمال» بزعامة ستارمر حتى اليوم. يوم الجمعة احتدمت مناقشة خلافية ساخنة بين السكرتارية الصحافية لرقم 10 داونينغ ستريت والمراسلين البرلمانيين في وستمنستر، بشأن اجتماع طارئ لمجلس الوزراء بعد ظهر اليوم نفسه في لندن، دون السماح بنشر أو إذاعة مكان الاجتماع المطول، بينما لقاء المجلس الأسبوعي المعتاد يستغرق ساعة في داونينغ ستريت كل ثلاثاء. الاجتماع جاء رد فعل لتحذير محافظ بنك إنجلترا المركزي في مؤتمره الشهري الخميس مما يعرف بـstagflation (الركود - التضخم) بسبب جمود النمو الاقتصادي مع زيادة الأسعار، مما يزيد من أعباء أسر الطبقات المتوسطة مع تناقص فرص العمل. ما السبب؟
ما يبدو من انفصام الشخصية في التناقض بين سياسات دوافعها آيديولوجية، ونداءات أقلية الوزراء وغالبية أهل الخبرة في جعل الأولوية للاقتصاد وجذب الاستثمارات والتوسع في مشاريع النمو.
فالتعديلات على قوانين التوظيف والضرائب على أصحاب الأعمال أدت إلى تناقص مزداد في فرص العمل والاستغناء عن كثير من العاملين. وزيرة المالية والاقتصاد، ريتشيل ريفز، التي يحملها المستثمرون مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية، أعلنت عن عدة مشاريع لتحريك الاقتصاد، أهمها التسريع بتنفيذ مشروع الممر الثالث في مطار هيثرو، وبجانب معارضة عمدة لندن العمالي اليساري صديق خان ومجلس بلديته (الذين يضعون العراقيل لسنوات أمام المشروع)، فإن عدداً من الوزراء يعارض المشروع، بل إن رئيس الحكومة ستارمر نفسه صوّت ضد المشروع عندما كان في المعارضة، لكنه غيّر موقفه الشهر الماضي؛ فظهر انفصام شخصية الوزراء المعارضين، تخفي رفضهم وراء عبارة «نلتزم بجماعية المجلس» وسبب اعتراضهم الأصلي على الممر الثالث لإقلاع وهبوط مزيد من الرحلات كان هوسهم الآيديولوجي بالبيئة، ومعادلة الصفر البيئي الذي يصل إلى مرحلة العقائد الأصولية الدينية. تيار هوس الصفر البيئي يتزعمه إيد ميلباند، الزعيم الأسبق لحزب «العمال» (2010 - 2025)، وحالياً وزير الطاقة ومعادلة الصفر البيئي، وكان وزيراً للطاقة والتغير المناخي منذ 15 عاماً في حكومة «العمال» السابقة، وهو المسؤول عن صياغة قانون التغيير المناخي ومعادلة الصفر البيئي التي أدت إلى ارتفاع البطالة في مناطق كإمارة ويلز، بالقضاء على صناعة الحديد والصلب التي لا غنى عن فحم «الكوك» لإنتاج الصلب، لكن منع حرق الفحم أدى إلى إغلاق المصنع وفقدان آلاف العاملين لوظائفهم، والاعتماد على استيراد الصلب من الصين. خسائر اسكوتلندا كانت أكبر في قطاع البترول والغاز والصناعات والخدمات المكملة بإيقاف العمل بتصاريح استخراج الغاز والبترول من حقول بحر الشمال. ومما سيزيد التكلفة للصناعات، اضطرار البلاد إلى استيراد الغاز المسيل المضغوط من أميركا والخليج وجنوب المتوسط، ويعاد تحويله إلى غاز لضخه في المواسير بمواني بريطانيا، وهذا بدوره سيزيد من تكلفة السلع والخدمات على المستهلك، الذي يتحمل إضافة مصاريف دعم مشاريع الطاقة الخضراء على الفواتير المنزلية والتجارية. لكن هناك تكاليف أخرى تعرقل التنمية بسبب الهوس بالبيئة، منها مشروع امتصاص غازات المحروقات في محولات خاصة، وتخزينها تحت الأرض في السنوات المقبلة. المشروع الذي ينقسم حوله العلماء والجيولوجيون، خصوصاً بسبب الجدوى الاقتصادية ـ مقدر أن يتكلف 22 مليار جنيه، ستضاف إلى فواتير الطاقة للمستهلكين؛ سواء المواطنين أو الصناعات. حكومة ستارمر أيضاً تعدُّ قانوناً يجبر أصحاب البيوت على إدخال التعديلات التي يقترحها البيئيون على المساكن والشقق المؤجرة لتقليل استهلاك وقود التدفئة، كما يدعون، بنحو 240 جنيهاً إسترلينياً سنوياً. ورغم محاولة ميلباند وأصحابه التقليل من التكلفة لصاحب البيت، فإن أقل تقدير يضعها بين 10 و15 ألف جنيه للوحدة السكنية. وبالطبع سيضطر أصحاب البيوت إلى رفع الإيجارات لتعويض التكلفة، ويجد المستأجر إيجاره يرتفع خمسة وعشرة أضعاف ما قد يوفره في فواتير الطاقة؛ فآيديولوجيا الحقد الطبقي والهوس بالتغيير المناخي دفعا إلى إجراءات تضر بالطبقات التي يفترض مساعدتهم في سياسة شيزوفرينية.