بقلم - د. محمود خليل
الشعبية التى حققها مكرم عبيد، أشهر زعيم قبطى للمصريين، كان لها العديد من العوامل التى تفسرها، يأتى على رأسها عامل الإخلاص.
منذ اللحظة الأولى التى انخرط فيها مكرم عبيد فى ثورة 1919، وكان عمره حينها 30 سنة، كان من أشد المخلصين لها، ولمبادئها وأفكارها، وما نشرته من قيم فوق أرض المحروسة، التحم بشكل كامل مع الزعيم سعد زغلول، وكان وصديق عمره مصطفى باشا النحاس من ضمن من تم نفيهم مع «سعد» إلى جزيرة سيشيل.
أطلق المصريون عليه وصف «ابن سعد البار»، وهم يلخصون نظرتهم إلى إخلاص مكرم عبيد للزعيم سعد زغلول.
معنى الإخلاص عند مكرم عبيد لم يكن محصوراً فى زعيم آمنت به الأمة وفقط، بل امتد ظله إلى الأمة كلها، خصوصاً طائفة الفلاحين التى خرج منها، والذين تربى بينهم داخل مدينة «قوص». قال مكرم عبيد ذات يوم وهو يتحدث عن حال الفلاح المصرى: «لقد عملنا لتخليص المصرى من الاستعمار الأجنبى.. وقد بقى علينا أن نخلص المصرى من الاستعمار المصرى».
تمددت خيوط إخلاص مكرم عبيد أيضاً إلى الموظفين الذين عمل بينهم بعد حصوله على إجازة القانون. يقول أحمد بهاء الدين: «كان مكرم يفرّق بين نوعين من الاقتصاد: الاقتصاد الحكومى، وهو الاقتصاد الذى يحقق الغنى والثراء للحكومة فى حين يزيد الشعب إفقاراً، والاقتصاد الشعبى الذى يضع الخطط ويوجه دفة الثروات لصالح الشعب، فيحقق به حداً أدنى من المعيشة المقبولة». وكان «عبيد» يسأل: «كل ما نراه من مظاهر الثراء والترف فى مصر إنما هو مستمد من اقتصادنا الحكومى الغنى السخى، أما اقتصادنا الشعبى فأين هو؟ هل هو فى تلك البقرة الحلوب التى تدر لبناً وعسلاً على غير أهلها؟».
البسطاء من أبناء هذا الشعب من عمال وفلاحين وموظفين كانوا محل اهتمام الزعيم مكرم عبيد، وعمل من أجلهم بإخلاص، وعندما اعتلى صهوة مناصب العمل الوزارى انصرف جل تفكيره إلى تطوير معيشتهم وتحسين أوضاعهم. يقول إبراهيم فرج: «مكرم عبيد هو أول من تنبه عام 1936 إلى تضمين الميزانية كل ما يتعلق بالعدالة الاجتماعية، والحد الأدنى للأجور، والعلاج الطبى للعمال، وتوازن الأجور مع الأسعار. وترتب على ذلك إنصاف العمال والموظفين والطبقات الكادحة.. وهو أيضاً أول من قرر أن يكون نصف العمال والموظفين فى الشركات الأجنبية من المصريين».
كان الزعيم صاحب نظرية فى الاقتصاد الاجتماعى يلخصها فى قوله: «يخطئ الناس إذا اعتقدوا أن الاقتصاد هو مجرد علم المال وما يلحق به من أوضاع، كلا، فإن الاقتصاد علم أصلى من علوم الاجتماع وإن له آداباً، كما أن له حساباً».
لم يعرف مكرم عبيد يوماً التنكر لأى «كتلة» كان يشكل فى لحظة جزءاً منها، وعندما انشق عن حزب الوفد عام 1942، دفاعاً عن مبادئ الوفد نفسها، وأنشأ حزباً، أطلق عليه حزب «الكتلة».
إنه الرجل الذى عرف معنى وقيمة الكتلة والتكتل، وأن قيمة الفرد تتحدد فى الالتصاق بالكتلة التى نشأ فيها.. الكتلة فى حياة مكرم عبيد كانت مفهوماً سياسياً واجتماعياً وثقافياً صاغ على أساسه شعبيته.. الشعبية التى كان وقودها «الإخلاص» الذى مثَّل العامل الأول لتحلق الناس حول الزعيم القبطى الشهير.