طفل من «قنا»

طفل من «قنا»

طفل من «قنا»

 العرب اليوم -

طفل من «قنا»

بقلم - د. محمود خليل

استقبل المصريون شمس يوم 25 أكتوبر عام 1889، مثلما تعودوا أن يستقبلوا طلعة النهار بالبشر والترحاب والأمل في صبح جديد يغير الله فيه من حال إلى حال. في الوقت الذي كان الشعب الطيب داخل مدينة "قوص" بمحافظة قنا يمشي في مناكب المحروسة يرجو الرزق والستر، ويدعو الله أن يهلك الانجليز الذين احتلوا أرضه منذ 7 أعوام، استقبلت المدينة وليداً جديداً سيكون له شأن -أي شأن- في تحقيق الكثير من أحلام الفلاحين في العيش الكريم، هؤلاء البسطاء الذين تضنيهم الحياة، ويأكل الزمن صحتهم وأعمارهم، دون أن يعترف لهم أحد بأبسط حقوقهم في الحصول على ما يقيم أودهم حتى يواصلوا رحلة الشقاء.

هؤلاء الودعاء الطيبون الذين هدهم الحزن على بلادهم التي تتقلب عليها الأيدي الأجنبية من مماليك وترك وفرنسيين ثم انجليز، دون أن يكون لأيدي أصحاب الأرض نصيب في خيراتها. استقبلت إحدى الأسر المصرية القبطية المعروفة بثرائها ووطنيتها العتيدة ومكانتها الكبيرة داخل صعيد مصر، وهي عائلة جرجس ميخائيل عبيد، طفلاً اسمه "وليم مكرم".

مثل كل الأطفال في ذلك الزمان تفتحت عين مكرم عبيد على البيئة الخلابة المحيطة به التي رسّخت بداخله حب المكان الذي ولد فيه، وشهد سعادات طفولته، والمكان هنا شاعري للغاية، ما أكثر ما قدم أدباء وشعراء ذاع صيتهم وتمددت حبال شهرتهم داخل بر المحروسة، فمحافظة "قنا" كانت في ذلك الوقت مضخة كبرى من مضخات الفن والأدب إلى درجة أن كاتباً كبيراً بحجم العقاد، وصفها بـ"المدرسة القنائية" التي لم تتوقف في لحظة عن تقديم المبدعين إلى مصر، كانت "قنا" في ذلك الوقت أشبه بالمصنع القادر على إنتاج عناصر القوى الناعمة التي امتازت بها مصر داخل الإقليم الذي استقر به شعبها.

مثل كل الأطفال داخل الأسر المصرية (مسلمة ومسيحية) في مصر كان "مكرم" -في طفولته ومراهقته- يسمع من الكبار عن الأحداث الفارقة التي عاشتها مصر في ذلك الوقت، ولعل أخطرها وأهمها ما اقترن بتولي "بطرس باشا غالي" رئاسة وزراء مصر، وحادث الاغتيال الذي تعرض له على يد شاب من شباب الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل. يصف "عباس حلمي الثاني: خديوي مصر في ذلك الوقت بطرس باشا قائلاً: "يمكنني أن أقول أن الرئيس الوحيد لمجلس النظار والذي عمل بدون توقف، وفي أثناء كل الوقت الذي كان فيه ناظراً، ومن أجل خدمة قضية بلاده، وأمير البلاد، هو بطرس باشا غالي، ولم يرتكب سوى خطأ واحد في حياته وهو دنشواي".لم تكن مصر في ذلك الوقت تفرق بين مواطنيها على أساس الهوية الدينية، بل على أساس القدرة والكفاءة، والعطاء للوطن، والإخلاص للقضية الوطنية، وحين اغتيل "بطرس غالي: عام 1910 لم تكن هناك أية دوافع طائفية وراء ذلك، بل دوافع ناتجة عن اختلاف الرؤى ووجهات النظر فيما يتعلق بخدمة قضية الوطن.

شاهد "مكرم عبيد" وهو في صدر شبابه شخصية قبطية أخرى تعتلي كرسي رئاسة الوزراء في مصر، حين تولى هذا المنصب يوسف باشا وهبة، والملفت أن الرجل تعرض هو الآخر لمحاولة اغتيال على يد شاب قبطي، مما يمنحك دليلاً على أن الدوافع الوطنية كانت حاضرة في أشد مشاهد السياسة قسوة في ذلك الوقت، في الوقت الذي اختفت فيه مسألة التمييز الطائفي بشكل يثير الإعجاب.

عاصر "مكرم عبيد" -في مراحل عمره الأولى- صعود العديد من الشخصيات القبطية إلى أرفع مواقع المسئولية، بما فيها رئاسة وزراء مصر، لكن أياً من هذه الأسماء لم تحظ بما حظى به مكرم عبيد في الوجدان المصري، إذ يظهر -خلافاً لهم- زعيماً شعبياً من طراز فريد، لم ترتبط شهرته أو شعبيته ومحبة الناس له بوجوده في موقع مسئولية، قدر ما تعلقت بما امتلكه من قدرة على ترجمة الأحلام الوطنية إلى واقع يمشي على الأرض، والثقافة الاجتماعية السائدة إلى أساس يرتكن إليه الزعماء والذوق الشعبي العام إلى خطاب سياسي رفيع المستوى.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طفل من «قنا» طفل من «قنا»



نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 08:43 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها
 العرب اليوم - ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها

GMT 12:05 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

أردوغان ينوي بحث انسحاب القوات الأميركية من سوريا مع ترامب
 العرب اليوم - أردوغان ينوي بحث انسحاب القوات الأميركية من سوريا مع ترامب

GMT 11:35 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

مكون غذائي يساهم في تسريع تعافي العضلات بعد ممارسة الرياضة
 العرب اليوم - مكون غذائي يساهم في تسريع تعافي العضلات بعد ممارسة الرياضة

GMT 04:54 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يؤكد أن الأمم المتحدة مستعدة للعمل مع ترامب
 العرب اليوم - غوتيريش يؤكد أن الأمم المتحدة مستعدة للعمل مع ترامب

GMT 12:42 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أحماض تساعد على الوقاية من 19 نوعاً من السرطان

GMT 19:21 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

بشكتاش يواصل انتصاراته فى الدوري الأوروبي بفوز صعب ضد مالمو

GMT 15:13 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع سعر البيتكوين لـ75 ألف دولار

GMT 16:36 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

إيمان خليف تظهر في فيديو دعائي لترامب

GMT 12:58 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

منى زكي تكشف عن تحديات حياتها الفنية ودور عائلتها في دعمها

GMT 15:12 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلاق أول قمر اصطناعي مطور من طلاب جامعيين من الصين وروسيا

GMT 17:41 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إعصار رافائيل يتسبب فى وقف منصات النفط والغاز فى أمريكا

GMT 10:32 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف عبدالباقي يردّ على أخبار منافسته مع تامر حسني

GMT 14:28 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إعصار رافائيل يمر عبر جزر كايمان وتوقعات بوصوله إلى غرب كوبا

GMT 14:30 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وقف حركة الطيران في مطار بن جوريون عقب سقوط صاروخ

GMT 14:43 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

كندة علوش تعود إلى الدراما بمسلسل ناقص ضلع فى رمضان 2025

GMT 20:13 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات الأحزمة الفاخرة لإضافة لمسة جمالية على مظهرك

GMT 00:38 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يؤكد أن هناك الكثير من عمليات الغش في فيلادلفيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab