بقلم - د. محمود خليل
مؤكد أننا جميعاً نحتار ونحن نلاحظ التحولات التي تحدث لبعض الأشخاص من حولنا. أي ظرف سواءاً سلبي أو إيجابي يطرأ على الفرد يمكن أن يعقبه تحولات، قد تضيق أو تتسع، على شخصيته، فتجده غير ما كان، وربما تجد نفسك أمام شخص جديد يختلف كل الاختلاف عن الشخص الذي عرفته.
قد يطرأ على الشخص دور مفاجىء، فيجد نفسه بعد أن كان نكرة غير معروف، يتصدر الصفوف، وتتسلط عليه الأضواء، فيتحول إلى شخص جديد معجون بالغرور، ومسكون بالتعالي على الآخرين، وقد يحدث العكس، بالنسبة لشخص كان بالأمس مشهوراً، ثم نسحبت الأضواء عنه، فبات لا يهتم به أحد، هنا قد تضطرب نفسه ويفقد ثقته بالبشر، ويسكنه العداء والاحتقار لكل من حوله، ممن كانوا يتزاحمون بالأمس عليه.
والمسألة لا تقتصر على الدور فقد يكون الطارىء مال أو ثرورة تصيب الشخص فجأة، فتؤثر على أخلاقياته وسلوكياته، فيستحيل إلى شخص آخر، تسكنه الأثرة والأنانية وحب الذات، وقد يحدث العكس أيضاً فيفقد الشخص فجأة ما يملك، أو تنعدم قيمة ما يقتنيه، فيتحول إلى شخص آخر ضعيف، يحتاج إلى نجدة من حوله، وهو الذي كان بالأمس يعطي ويمنح.فكرة الفقد والكسب هي الفكرة الأساسية التي تقف وراء التحولات التي تصيب شخصيات البشر، فقليل منهم من لديه القدرة على احتمال النتائج المترتبة على التحول الذي يطرأ عليه.. والمسألة مردها، في الأول والآخر، منسوب الصلابة الذي تتمتع به النفس من ناحية، ومقدار الثبات الانفعالي الذي تملكه في مواجهة مواقف الحياة، من ناحية أخرى.وتجد في القرآن الكريم وصفاً للسبب في ارتجاج صلابة الشخصية الإنسانية، أو اضطرابها الانفعالي، إزاء ما تواجهه من أحداث يتمثل في "الهلع": "إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا". فالإنسان يصاب بنوع من الهلع مع أي طارىء خير أو شر يطرق بابه.
وكلمة الهلع لها معنيان شديدا العجب في الآية: الأول هو "شدة الحرص".. فالإنسان حين يأتيه خير يغرق في الحرص عليه، ويشتد في محاصرته، ومنع غيره من الافتراب منه، والثاني هو "شدة الجزع" بما يعنيه من اضطراب وقلق حين يضرب الإنسان أي شر، فيسيطر عليه اليأس والقنوط، ويشعر أن أبواب الرحمة سدت في وجهه، رغم أن أبواب رحمة الله مفتوحة في كل وقت وحين.
وقد استثنى الخالق العظيم من الوقوع في شرك الجزع: المصلين، والمتصدقين، والمصدقين بيوم الدين، والأتقياء، فهذه الفئات تملك الثبات الإيماني، واليقين الروحي، والثقة في أن الله تعالى هو القادر على أن يبدل من حال إلى حال، وأن الدنيا بطبيعتها لا تدوم على حال "كل يوم هو في شأن"، وبالتالي يتعامل بأعلى درجات التوازن النفسي فلا يكسره ويحوله فقد، ولا يطغيه تحقيق أو انتصار أو غنى.