أيام «جمال أسعد» لها تاريخ

أيام «جمال أسعد».. لها تاريخ

أيام «جمال أسعد».. لها تاريخ

 العرب اليوم -

أيام «جمال أسعد» لها تاريخ

بقلم: د. محمود خليل

منذ الوهلة الأولى يغلب قارئ السيرة الذاتية للأستاذ جمال أسعد عبدالملاك إحساس بأنه أمام سطور دافئة تعكس أشواق روح محملة بحب الوطن.. فقبل أن يسرد المفكر الوطنى والبرلمانى المعروف رحلة الاشتباك النبيل الذى خاضه خلال خمسة عصور سياسية، يجد القارئ نفسه أمام لوحة رائعة ترسم ملامح الطفولة والأطفال فى خمسينات القرن الماضى، لوحة تتجلى فيها عبقرية المكان وانعكاسها على روح طفل من أطفال مركز «القوصية».

أكثر ما شدَّنى فى سردية طفولة «جمال أسعد» ذلك الشغف بالتفاصيل والمنمنات الصغيرة التى تعمق إحساس القارئ بالمكان، ليجد نفسه فى رحلة يتجول فيها عبر حقوله، ودروبه، وبيوته، ودكاكينه، لينتهى به المطاف إلى دار السينما التى وجدت طريقها فجأة إلى المكان عام 1951.

يستمع إلى حكاوى الجدة والأم والجيران، وتفاعلهم الإنسانى الصافى مع الحياة، ينظر بانبهار إلى مشاهد «القوصية» التى أعادت إنتاج نفسها داخل حى عمرو بن العاص، وحى السيدة زينب، بما فى ذلك سينما «القوصية» التى أعادت إنتاج نفسها فى سينما «الأهلى» بالسيدة زينب.. أين منى أيام سينمات الأهلى وإيزيس والهلال والشرق بالسيدة زينب؟!تضعنا سطور السيرة الذاتية أمام شخصية معجونة منذ الطفولة بحب الوطن، شغوفة بتفاصيل المكان، قادرة على أن تنسج منها لوحات مبهرة، ذائبة فى حب البشر الذين يسعون فى دروبه، ثم هى أيضاً من الوعى بما يمكّنها من استيعاب الظرف الموضوعى الذى تعيش فيه، ومجيدة فى الوقت نفسه فى صناعة رؤيتها الخاصة التى أسست لتفاعلها الوطنى مع 5 عصور، تبدأ بعصر عبدالناصر وتنتهى بالعصر الحالى.انزاح ستار «التجربة» فى الستينات، حين كان «جمال أسعد» يعيش شبابه الأول، متشبعاً بنشوة الحلم بمصر القوية القادرة المتحدية، لكن مصر وقتها كانت تتكلم أكثر مما تفعل، وكانت النتيجة سلسلة من الانكسارات، أحبطت النفس، لكنها لم تقتل الحلم، فميراث عبدالناصر فكرة والفكرة لا تموت، بغضّ النظر عن مآلات التجربة الناصرية.

ومع عصر «السادات» بدأ صاحب السيرة رحلته فى حزب التجمع، وهى رحلة أمتع ما فيها ما سرده من حوارات ونقاشات دارت مع المرحوم خالد محيى الدين، القيادة التاريخية للحزب، لكن يبقى أن الحزن كان يتدفق بين السطور وهو يحكى عن تجربته فى سجون «السادات»، خصوصاً بعد قرارات 5 سبتمبر 1981، والتى تم اعتقال الأستاذ «جمال أسعد» قبلها بيوم. أحسست بمشاعره وهو يسمع عن قيام مجموعة من الإسلاميين باغتيال «السادات» يوم 6 أكتوبر 1981، وما أعقبه من أحداث مديرية أمن أسيوط، على مقربة من المكان الذى تعيش فيها عائلته بالقوصية، شاركته أيضاً إحساسه بالمرارة بعد لقائه ومجموعة من معتقلى سبتمبر مع الرئيس «مبارك»، ثم الإصرار ثانية على حبسه.ومع تولى «مبارك» الحكم عام 1981، بدأت رحلة «أسعد» فى العمل البرلمانى، وهى تجربة تستطيع أن تخرج منها بالعديد من الاستخلاصات حول معاناة الإنسان الطامح إلى خدمة وطنه فى معمعة انتخابات تسيطر عليها أغلبية تحكمها المصالح الحزبية الضيقة أو الرغبة فى الجلوس على منصات الحكم، ويسيطر على مسرحها السياسى قوى الإسلام السياسى، وتعمل أحزاب المعارضة فى معيتها.

كان «جمال أسعد» البرلمانى الوحيد الذى امتلك شجاعة مواجهة «مبارك» بمطالب المعارضة عام 1987، ناهيك عن معاركه مع شركات توظيف الأموال، وداخل حزب العمل الذى ترشح على قوائمه وظل أميناً مساعداً له لمدة من الزمن، وكفاحه من أجل ترسيخ فكرة المواطنة والولاء للدولة، مع الاحترام الكامل للمؤسسة الدينية وأدوارها الروحية والاجتماعية والإنسانية.وتنتهى هذه المحطة من محطات التجربة بالمقدمات التى سبقت ثورة 25 يناير، وقد أفاض الأستاذ صاحب السيرة فى سردها، شرح من خلالها حالة الشيخوخة والوهن التى ضربت نظام «مبارك» خلال العقد الأول من الألفية الجديدة، وحالة الاحتقان التى سادت الشارع المصرى وأدت إلى تحركه، وأجدنى متفقاً معه فى أن ركوب الإخوان -وتيارات الإسلام السياسى- للمشهد بعد 2011 أدى إلى اختطاف الثورة، لذلك كان من الطبيعى أن ينتفض الشارع من جديد لتصحيح المسار، وهو ما كان فى 30 يونيو 2013، ليعبر المصريون على تجربة حكم الإخوان، وينتقلوا إلى العصر الحالى.من أجمل ما قرأت فى السيرة الذاتية للأستاذ جمال أسعد عبدالملاك تلك السطور التى تقول: «إن التاريخ والتراث والعادات والتقاليد الإسلامية هى ملك لكل المصريين، مسلمين وغير مسلمين»، وأضيف: وكذلك التاريخ والتراث والعادات والتقاليد المسيحية هى ملك لكل المصريين، مسيحيين وغير مسيحيين.

نحن أمام سيرة ذاتية تعكس تجربة تقطر بالصدق، والإخلاص، وحب الوطن، والرغبة فى الإصلاح، والحلم القديم المتجدد بمصر القوية.. متَّع الله صاحبها الصديق الحبيب الأستاذ جمال أسعد عبدالملاك بالصحة ودوام العطاء.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أيام «جمال أسعد» لها تاريخ أيام «جمال أسعد» لها تاريخ



جورجينا رودريغيز تتألق بالأسود في حفل إطلاق عطرها الجديد

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - سوسن بدر تتحدث عن حبها الأول وتجربتها المؤثرة مع والدتها

GMT 19:55 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

نابولي يعزز صدارته للدوري الإيطالي بثلاثية ضد كومو

GMT 13:54 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

دعوى قضائية تتهم تيك توك بانتهاك قانون الأطفال فى أمريكا

GMT 14:19 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

النفط يتجه لتحقيق أكبر مكسب أسبوعي منذ أكتوبر 2022

GMT 13:55 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع حصيلة قتلى إعصار هيلين بأمريكا إلى 215 شخصا

GMT 15:57 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

اختفاء ناقلات نفط إيرانية وسط مخاوف من هجوم إسرائيلي

GMT 06:22 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

الوزير السامي

GMT 10:04 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

مصرع 4 وإصابة 700 آخرين بسبب إعصار كراثون في تايوان

GMT 09:20 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

الألعاب الإلكترونية منصة سهلة لتمرير الفكر المتطرف

GMT 13:50 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

بايرن ميونخ يعلن غياب موسيالا بسبب معاناته من الإصابة

GMT 04:51 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

حلول زائفة لمشكلة حقيقية

GMT 04:58 2024 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إيران: الحضور والدور والمستقبل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab