عصر القوة

عصر القوة

عصر القوة

 العرب اليوم -

عصر القوة

بقلم: د. محمود خليل

فكرة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب سادت حياة المصريين بعد نكسة 1967، تقول إن الله تعالى مَكّن المسلمين من أعدائهم فى الماضى بفضل نقائهم الإيمانى وتمسكهم بدينهم، وأن السر فى هزيمتهم المدوية أمام إسرائيل، تلك الدولة الصغيرة التى زرعها الغرب فى المنطقة، هو ضعف الإيمان والتخلى عن الدين. هذه الفكرة آمن بها أيمن الظواهرى وروَّج لها الإسلاميون بعد نكسة يونيو، وصرخوا بأن السبيل الوحيد لاستعادة الأرض والهيبة يتمثل فى العودة إلى الإسلام.

لا خلاف على قيمة الإيمان بالقضية كعامل من عوامل النصر فى أية مواجهة، لكن الأصل فى المسألة هو الأخذ بالأسباب الموضوعية للنصر، كما أن هناك فارقاً بين الإسلام كعقيدة وبين المسلمين، لقد نال المشركون من المسلمين فى غزوة أحد وظهروا عليهم، بسبب عدم الأخذ بالأسباب اللازمة لتحقيق النصر، الهزيمة حاقت بالمسلمين الذين لم يحسنوا الأداء فى المعركة بل غلبت عليهم المطامع فى الغنائم والأسلاب فتركوا ظهر من يقفون فى الصفوف الأمامية مكشوفاً، فانقضَّ عليهم المشركون من الخلف. لم تكن الهزيمة للإسلام بحال من الأحوال، فكيف يمكن أن تهزم فكرة يؤمن بها الإنسان فى قلبه؟

كنت أفهم أن يتوقف الإسلاميون والمصريون عموماً عند الأسباب الموضوعية التى أدت إلى الهزيمة، أفهم مثلاً أن يحدثنا أحدهم عن ضعف الحسابات السياسية فى العديد من القرارات التى سبقت الحرب، أو عن الفردية فى صناعة القرارات وآثارها المدمرة على الأمم والشعوب، أو عن غياب الإعداد الجيد، أو عن استنزاف قدراتنا فى مغامرات عسكرية خارجية لم يكن لها فائدة تذكر، أو عن غياب الفكر العلمى والتكنولوجى، وغير ذلك من عوامل، أما الربط بين الهزيمة والابتعاد عن الإسلام فأمر لا يبدو سليماً، لأن الإسلام لم يغب عن قلوب المؤمنين به فى ذلك الوقت.

إنها الحجة القديمة المتجددة التى دأب العقل المصرى على اللواذ بها كلما قابل هزيمة، منذ الحملة الفرنسية حتى نكسة 1967، فقد ردد البعض ذلك حين تمكن نابليون من غزو مصر، وحين احتلها الإنجليز، وحين احتل الصهاينة فلسطين، ثم كرروها بعد النكسة. كان من الواجب أن يتنبه أيمن الظواهرى والإسلاميون ومن حذا حذوهم إلى أن تكرار الهزائم يوجب عليهم إعادة النظر فى ذلك السبب القديم المتجدد الذى يظهر على هامش كل هزيمة، ولو أنه ومن معه فعلوا لفهموا أن الفكر والأدوات البدائية لا تصنع نصراً، ولا تنصر فكرة أو قضية أو عقيدة، ولجنَّبوا أنفسهم وغيرهم الكثير من المشكلات والمزيد من الهزائم.

عجيب أمر مجتمع يذهب فريق منه إلى أن التخلى عن الدين هو سر تراجعه وأن العودة للإسلام تعنى الرجوع من جديد إلى عصر القوة، مقابل فريق آخر يرى أن الفهم الخاطئ للدين هو سر الأسرار فى حالة التراجع والارتباك التى تضرب فى عديد من النواحى، وأن نبذ الماضى هو وحده الرهان على الدخول إلى عصر القوة.

بعد هزيمة 1967 ظهر داخل المجتمع أيمن الظواهرى ومن على قناعاته، وظهر المضادون له من أصحاب الرؤى التى تزعم العلم والعصرنة، فهل أفلح أحدهما فى العودة إلى عصر القوة فى الماضى أو الدخول إلى عالمه فى الحاضر؟.

مكمن العلة فى حياتنا عند التعامل مع أى مشكلة أو أزمة أو قضية أننا نبحث فى أى شىء إلا أسبابها الموضوعية، رغم أن هذه الأسباب معلومة لنا جميعاً، وأخشى أن يكون السر فى ذلك هو الولع بالمتاجرة بالمشكلات واستثمارها من أجل تثبيت الأوضاع عندما يكون صالح البعض فى ذلك، وفى قلقلتها عندما يكون صالح آخرين فى العكس.

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عصر القوة عصر القوة



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام
 العرب اليوم - أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام

GMT 10:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو
 العرب اليوم - الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab