«الوش المراية»

«الوش المراية»

«الوش المراية»

 العرب اليوم -

«الوش المراية»

بقلم: د. محمود خليل

وجوه المصريين مرايات، إنهم يتشابهون فى ذلك مع الشعوب التى يجمعهم معها قواسم ثقافية مشتركة. يقول المثل الشعبى فى وصف الآخر: «فى الوش مراية وفى القفا سلاية». وهو مثل يتحدث عن صنف من البشر يجيد التخفى وارتداء الأقنعة، والظهور حال اللقاء بحالة، وحال الاختفاء بحالة أخرى.

فى حالة اللقاء يكون «مرآة» يرى فيها الشخص نفسه من فرط ما يبديه الآخر من تفهم وتعاطف مع مَن يحدّثه، إنه يهتم بغيره حين يلتقيه وكأنه «مراية» له، وما إن يدير له ظهره حتى يتحول هذا الغير إلى مادة للتسلية «سلاية»، فيبدأ فى اللكلكة بما سمعه منه وفضحه أمام الناس.

الوش «المراية» هو المفتاح الذى يمكن أن تفهم به الوجوه الناطقة بالنفاق، فأغلب المنافقين يمجدون مَن يكون لهم مصالح معهم أو عندهم، فيغرقونهم بمعسول الكلام، ووصلات الغزل، ومواويل المديح فى اللقاء، وما إن يفارقوهم حتى يسلقوهم بألسنة حداد، بل وربما يلعن بعضهم فى سره من يعسّل له الكلام أو يتغزل فيه أو يمدحه وهو معه وجهاً لوجه.

قد يتصور البعض أن تحول الوش إلى «مراية» بما يرتبط به من سيادة ثقافة النفاق يعتمد على الشخص الذى يقطر لسانه بالعسل حين يلتقى من ينافقه، ثم بالسم الزعاف حين يتركه، وهو تصور ليس فى محله، لأن ثمة طرفاً آخر يجب ألا نهمله، وهو الطرف الذى يسمع. فالمنافق «المراية» لا ينجح إلا فى وجود شخص لا يحب الاستماع إلى الحقيقة، لأنه لا يريد أن يعيش الواقع، بل يبحث عمن يُسمعه ما يريد سماعه، ومن يزين له أفعاله.

تجد وصفاً رائعاً لهذه التركيبة الإنسانية فى الآية الكريمة التى تقول: «أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً».كلا الطرفين فى لعبة «الوش المراية» يقع فى هذا الفخ. فمن يستحسن السيئ، ويمتدح حكمة من لا حكمة له، لا بد أن يكون بالضرورة ممن زين له سوء عمله، ومن يستمتع بالأوصاف الكاذبة له، والكلام الفارغ من العقل والمنطق حول أدائه، هو أيضاً من هواة تجميع البشر الذين يزينون العمل السيئ.

«الوش المراية» و«القفا السلاية» ثنائية قادرة على تفسير ثقافة الارتباك التى تأخذ بتلابيبنا منذ عصر الحملة الفرنسية، بل قل إن لها الدور الأخطر والأهم فى ثبات الأوضاع لدينا وعدم قلقلتها أو حلحلتها.

يحكى «الجبرتى» فى «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» أن المشايخ والعلماء دأبوا على مشاركة «نابليون» -خلال احتلاله للبلاد- الاحتفالات التى يرتبها لبعض المناسبات الفرنسية، كمناسبة قيام الجمهورية، بإعداد الثريد الذى تغطيه طبقة شامخة من الأرز الذى يأخذ ثلاثة ألوان، هى ألوان العلم الفرنسى، إرضاءً لسارى عسكر. كان العلماء يفعلون ذلك والأهالى يأكلون ويرقصون «واللى فى القلب فى القلب»، فنظرتهم إلى «نابليون» كغازٍ محتل لم تتغير، وكانوا جميعهم ينتظرون اللحظة التى يخرجونه فيها من البلاد.

وقد كان.المصريون تعاملوا مع الفرنسيين بثنائية «الوش المراية/ القفا السلاية»، وهى ذات الثنائية التى احتكموا لها بعد الاحتلال الإنجليزى، وبعد خروج الإنجليز من مصر.. والنتيجة ما نحن فيه!

 

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الوش المراية» «الوش المراية»



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
 العرب اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض
 العرب اليوم - ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 17:20 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة
 العرب اليوم - هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 05:56 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

تدمير التاريخ

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 17:44 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يحاول استعادة بلدات في حماة

GMT 06:19 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

اللا نصر واللا هزيمة فى حرب لبنان!

GMT 02:32 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا تعلن عن طرح عملة جديدة يبدأ التداول بها في 2025

GMT 08:33 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي

GMT 20:57 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عبدالله بن زايد يؤكد موقف الإمارات الداعم لسوريا

GMT 07:30 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ميركل تكشف السر وراء صورتها الشهيرة مع بوتين والكلب الأسود

GMT 18:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

محمد بن زايد ومحمد بن سلمان يبحثان العلاقات الأخوية

GMT 06:25 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الروس قادمون حقاً
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab