فصل المقال فيما بين الفقه والطب من انفصال

فصل المقال فيما بين الفقه والطب من انفصال

فصل المقال فيما بين الفقه والطب من انفصال

 العرب اليوم -

فصل المقال فيما بين الفقه والطب من انفصال

بقلم - خالد منتصر

كتب الصديق الكاتب حسين القاضى مقالاً فى «الوطن» يعلق فيه على مقالى الذى انتقدت فيه بعض الأطباء المتطرفين الذين يجبرون مريض السكر على الصيام، المريض المعتمد على الأنسولين الذى يدخل أحياناً فى غيبوبة ونسبة السكر عنده ٦٠٠ وعنده مشاكل شرايين وشبكية وكلى.. إلخ، وما زال البعض من باب التدين يقنعه بالصوم!

المقال نبرته هادئة وليست فيه نبرة الشخصنة المسيطرة على ردود البعض فى مثل هذه القضايا الدينية، وأورد الكاتب رأى أحد شيوخ الأزهر الذى تساءل: لماذا يأخذ خالد منتصر رأى المتشددين فى الفقه ولا يأخذ برأى أهل الاعتدال؟

والحقيقة أن المشكلة ليست فى المتشدد والمعتدل، وإنما فى فكرة القياس على الماضى وتقديس رجاله الذين لهم كل الاحترام ولكن ليست لهم القدسية، وهم فى النهاية أبناء زمانهم ومكانهم، الفقهاء ورجال الدين ما زالوا يتعاملون مع العلم على أنه خصم، ينتقص من رصيدهم ومساحة سيطرتهم، والاستجابة الفقهية التى يدعى البعض أنها تساير العلم، هى استجابة تأتى من إفحام العلم لهم، وحرجهم أمام الوقوف فى وجه تيار الحداثة العلمية الذى بمنطقه وحجته يجعلهم لو دافعوا عن أفكار الماضى، سيقعون فى حرج شديد.

هنا تأتى الاستجابة التى هى رضوخ للأمر الواقع أكثر منها اجتهادات علمية، العلم يحمل كشاف النور فى كهوف الظلام، وكلما كشف مساحة كانت مجهولة وكان يفسرها رجال الدين تفسيرات خاضعة لمعارف زمانها، ينزعج رجال الدين، يقول لهم العلم إن ما فى داخل الكهف من أشباح ليست إلا ظلالاً وانعكاسات وخيالات، هذه عصا وليست ثعباناً، لكنهم يصرون على أنها ثعبان لأنهم قالوا للعامة ذات يوم إنها ثعبان!

وما ذكره الكاتب اقتباساً من الشيخ الأزهرى أن المتشددين فقط هم الذين يدلون بدلوهم فى المكان العلمى الخطأ، ويصدرون آراء وفتاوى علمية غير صحيحة بل لا تمت للعلم بصلة، سأعرض على الكاتب وعلى فضيلة الشيخ بعض القضايا العلمية والطبية التى أفتى فيها المعتدلون الدارسون، لكى أثبت له أن المشكلة ليست فى عقل المتشدد ولكنها فى منهج البحث الفقهى نفسه وقياساته المفتقدة للمرونة المقدِّسة للماضى ورجاله غير المتطلعة للمستقبل والحداثة، هل تذكر شيخنا الجليل رأى الشيخ جاد الحق شيخ الأزهر السابق فى ختان البنات؟

أنا لم أختر أى شيخ ولكنى اخترت رأس الاعتدال نفسه، ولا تقل لى إن الشيخ طنطاوى قال العكس، لأن رأيى أنه فى تلك القضية، ومع احترامى لكل الأشخاص، المفروض ألا تعرض على رجال الدين أصلاً تلك القضايا الطبية والعلمية، الرأى للعالم التجريبى والطبيب فقط، ولا فصال أو إمساك عصا من المنتصف، وهكذا حدث عصر النهضة، حين فصلنا هذا عن ذاك، ماذا قال الشيخ جاد الحق رحمه الله؟ قال:

«ختان الإناث من شعائر الإسلام وإن تركه يوجب على ولى الأمر القتال، وإن عدم ختان البنات يؤدى بهن إلى الانحراف وإنه لا يجوز ترك الفصل فى القضية للأطباء لأن الطب يقوم على العلم والعلم متغير!»، والسؤال هل الذين عاشوا فى زمن تولى الشيخ جاد الحق -وكما قال الشيخ فى المقال المذكور نحن نرجع لرأى الاعتدال الذى يمثل هو قمته- مطالبون بختان بناتهم وآثمون لو فعلوا العكس؟

القضية الطبية الثانية وهى قضية الحمل المستكن الذى يظل لأربع سنوات وست سنوات.. إلخ، والتى ذكرها شيخ جليل وأكد عليها، وهذا الشيخ أزهرى وكان يشغل منصباً دينياً رفيعاً، ماذا قال الشيخ المعتدل فى هذه المسألة؟ وعلى ماذا اعتمد فى الفقه؟ بعض الفقهاء مثل الحنفية يرون أن أقصى مدة للحمل قد تطول إلى سنتين، والمالكية والشافعية أربع سنوات، والبعض يرى أنها خمس سنوات، والبعض مدها إلى أكثر من ذلك!

وهو كلام نقبله كنوع من الفولكلور ولا نقبله على الإطلاق كنوع من العلم أو الحقيقة، فكيف أقبل علمياً ما لم يشاهده طبيب نساء وولادة واحد منذ اختراع علم طب النساء والتوليد، وما لم يسجله جهاز سونار واحد حتى فى بلاد واق الواق؟!

وكيف أقبل أخلاقياً أن أسمح بطوق نجاة فقهى لامرأة من الممكن أن تمارس الفاحشة بعد وفاة زوجها ثم تنسب طفل الخطيئة للأب المتوفى احتماء بمظلة الحمل المستكن أو تستراً وراء فتوى فلان أو مذهب علان كما حدث فى 19 جمادى الآخرة عام 1346 هجرية فى المحكمة الشرعية فى مكة عندما حكم القاضى مصطفى عبدالقادر العلوى بإلحاق نسب طفل ولدته أمه بعد موت زوجها بخمس سنين!

العلم يعرف كلمة الجنين ولا يعرف أو يعترف بما يسمى الحمل المستكن أو مدة الحمل التى تتعدى عشرة شهور، فما بالك بحمل السنتين والأربع!، دائماً يأتى الرد من أنصار النقل وأعداء العقل بأن الفقهاء يحسبون حساب الأشياء الشاذة التى من الممكن أن تحدث ولو نادراً، والفرق كبير بين الشاذ والمستحيل، فالمرأة التى تنتمى لفصيلة الإنسان لا يمكن أن تتحول فجأة لفيل آسيوى ويتجاوز حملها السنتين!

وحتى مدة السنة الشمسية التى جامل فيها القانون الفقهاء وأصابه الحرج منهم مدة مستحيلة، وبوادر انقباضات الولادة لها أسس ونظريات علمية مستقرة وواضحة، فالرحم ليس مخزناً صامتاً، والقاعدة هى أنه مستعد للفظ الحمل كجسم غريب ولكن الحكمة الربانية تضبط الإيقاع الهورمونى فيحتفظ الرحم بالحمل حتى يحين موعد الولادة وشرارة الانقباض التى وضع لها العلماء نظريات منها أن عضلات الرحم عندما تصل لدرجة معينة من السترتش أو التمدد، تبدأ الولادة بدليل أن التوائم تولد مبكراً لأن التمدد أكبر، ونظرية أخرى هى أنه عند نضوج الرئة تفرز مادة البروستاجلاندين التى تذهب لمستقبلات عضلات الرحم فينقبض استعداداً للولادة.

وهناك نظرية تليف وضمور المشيمة التى لها عمر محدد لن تتخطاه ولن يصل إلى الجنين أى غذاء بعدها، ولو ظل هذا الجنين أكثر من 42 أسبوعاً فهو معرض للوفاة داخل الرحم، ولو أكثر من 43 فسيتوفى حتماً، ولابد من تدخل الطبيب بحسم عندما تتجاوز الأم الحامل الـ42 أسبوعاً، فما بالكم بجنين الخمسين أسبوعاً الذى يتحدثون عنه، من المؤكد أنه سيتعفن داخل الرحم، وحتى هذا الطفل المتوفى داخل الرحم لن يستطيع الطبيب تركه لمزاجه وللظروف لسبب بسيط هو أن هذا الجنين المتروك ميتاً داخل الرحم سيتسبب فى تغيرات فى تجلط دم الأم التى ستصبح معرضة للموت، ومعرضة أيضاً لجلطات السائل الأمنيوسى التى ستودى بحياتها.

إذن مدة الحمل غير متروكة للصدف والاحتمالات وتغير الأمزجة والأزمنة، ومن يقل الآن إن الإمام مالك ظل ثلاث سنوات فى رحم أمه يهزل فى موضع الجد، والذنب ليس ذنب من قال قديماً، ولكن الذنب ذنب من تبنى هذه الاحتمالات حديثاً!.

والقضية الثالثة هى قضية زرع الأعضاء التى عطّلها أيضاً شيخ أزهرى معتدل من الذين يجب أن نرجع إليهم كما ذكر الشيخ فى المقال، تعطلت تحت عبارات دينية براقة مثل «وفيها إيه لما يموت، لا تعطلوا لقاء ربه فكل ما فى جسمك ملك لله»، وتوفى الآلاف نتيجة هذا التعطيل الذى ما زلنا نعانى من آثاره حتى اليوم.

ما رأيكم، هل ما زالت المشكلة فعلاً فى المتشددين؟

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فصل المقال فيما بين الفقه والطب من انفصال فصل المقال فيما بين الفقه والطب من انفصال



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab