بقلم - خالد منتصر
أكتب عن الإسماعيلى كلاكيت عاشر مرة، الإسماعيلى كمان وكمان، عندما كنت كائناً كروياً كنت عاشقاً ومتيماً بالنادى، لكننى هجرت متابعة الدورى العام واعتزلت قراءة صفحات الرياضة، ورغم ذلك ما زال عطر الفانلة الصفراء فى خياشيم الروح مثل الحفريات الجيولوجية.. مهما حفرت فى طبقات الوجدان أجد الإسماعيلى ساكناً ومتربعاً، لذلك تملكنى الأسى والحزن عندما تابعت وعرفت أن الإسماعيلى يقبع فى قاع الجدول.
وقلت هل يعقل أن الفريق الذى كنا نغنى له على السمسمية ونحن أطفال صغار أسمر وأصفر وسماوى لون الفانلة لون الفانلة البرازيلى، 32 مليون غاوى قالوا عليك يا إسماعيلاوى، معقول الإسماعيلى يهبط إلى المجهول؟! شعرت فجأة بأن جداراً من بيت ذكرياتى أصابته الشروخ وعلى وشك الانهيار، فقد تفتحت عيناى على فريق فاز بلقب الدورى فى عام 1967م ويلعب منفرداً بعد إيقاف الدورى، وشاهدت مصر كلها تلتف حوله، حيث لم يكن هناك لا أهلى ولا زمالك وقتها.
كان وقتها البسطاء يقفون على أعمدة استاد ناصر يتلهفون على مجرد إطلالة من الدراويش فى مباراة الإنجلبير، عشقت فاكهة الكرة المصرية على أبوجريشة، وكنت أقوم بجمع قصاصات الجرائد التى تتحدث عنه وعن سيد بازوكا والسقا وميمى درويش والعربى وأميرو وحودة وحارس المرمى الرائع حسن مختار، إلى آخر تلك القائمة الذهبية.
وكنت قد سألت عمى عن سر الشارة السوداء التى كان يرتديها لاعبو الفريق على الفانلة الصفراء، فأخبرنى أنها كانت شارة حزن على ساحر الكرة «رضا» الذى مات شاباً، ولم يكن أحد يعرفه من الأجيال الجديدة، مع أنه يستحق لقب «ساحر الكرة المصرية» و«حريف الكرة المصرية»
بدأت رحلة الشجن والدراما مع فريق تخصص الموت فى سرقة لاعبيه الموهوبين من حضن الزمن قبل الأوان، فقد كان مركز شباب الجزيرة المجاور لبيتى يشهد تدريبات لاعبى الإسماعيلى أثناء هجرة ما بعد الهزيمة، وكنت أذهب خصيصاً لكى أتابع عفريت تنطيط الكرة على رأسه وهو الراحل حسن درويش، وكان الشقيق الأصغر لكابتن ميمى درويش لاعب الإسماعيلى عندما فاز ببطولة الدورى ودورى أبطال أفريقيا.
كنا نعد عدد المرات التى سيقوم فيها درويش بتنطيط الكرة على رأسه وحبسنا أنفسنا، كان يتجاوز الـ200 عدة، وكان يتوقف عن التنطيط بسبب الملل فقط، كان معجزة بشرية، وكأنه ينطط الكرة بأستيك مربوط فى رأسه، وفجأة اختطفه الموت ورحل عنا.
بعدما تخرجت فى كلية الطب وتخصصى فى الجلدية كان لا بد أن أذهب إلى مستشفى ريفى، وبالفعل انتقلت إلى مستشفى أوسيم المركزى وهناك قابلت طبيب النساء وبالصدفة كان شقيق الكابتن محمد حازم، وزى ما أكون حصلت على كنز على بابا، فقد كان ساحراً موهوباً بشكل مستفز ولمساته إعجازية، وتعجبت حين قال لى شقيقه وهو يغلق الهاتف باكياً حين أتاه الخبر بأن حازم كان ابن موت، علمت أن محمد حازم توفى فى حادث سيارة وارتمى شقيقه فى حضنى وهو يصرخ قائلاً مش معقول، مش ممكن، ذهبت بعدها إلى سرادق العزاء فى شبرا.
الموت اختطف أيضاً حارس المرمى على أغا حارس مرمى الإسماعيلى: يمكننا القول إن الإسماعيلى ميلودراما، فقد كان يحصد الموت ثمار المانجو الكروى الإسماعيلاوى من مشتل المواهب، الآن يمر شريط ذكريات أمامى الآن، وأنا أتذكر الإسماعيلى القديم.. معقول ما يحدث؟ّ! فقد كان الإسماعيلى يبقى بالرغم من أن الموت كان يختطف لاعبيه، والآن فإن كيان الإسماعيلى يموت ويُهدم ويغرق ولا يوجد من يمد له طوق النجاة.