عملة نادرة

عملة نادرة

عملة نادرة

 العرب اليوم -

عملة نادرة

بقلم - خالد منتصر

أصعب شىء فى العمل الدرامى أن تحول الكابوس إلى متعة فنية، هذا هو التحدى الذى واجهه مسلسل «عملة نادرة»، فنحن نعيش فى جو كابوس أسود كافكاوى عبثى، القتل فيه مجانى، والثأر عقيدة، والمرأة على الهامش بينما هى تحرك الأحداث من خلف ستار، عجينة من مشاعر غل وغيرة وحقد وصراع، نار ورصاص، طبقية تدهس الضعيف وتلتهمه وتسحق عظامه، هذا الجو كيف حوله الكاتب د. مدحت العدل والمخرج ماندو العدل وكل عناصر العمل إلى جدارية فنية ملحمية محملة بدلالات وتفاصيل ورموز لا تنتهى؟، بأدوات الفن لا الخطابة، بريشة الفنان وإزميل النحات وليس بأحجار ومولوتوف المتظاهر، هكذا تعامل صناع هذا المسلسل البديع مع عناصر العمل، نحن أمام قوتين غاشمتين وكأننا نختزل العالم وصراعاته التى دوماً بين قوتين والباقى كومبارس غلابة، إما على مقاعد المشاهدين يمارسون النميمة، وإما فى مطحنة القهر يقدَّمون كقرابين، عائلة عبدالجبار أمام عائلة أبوعصاية، لكن هل كل قوة فيهما هى نسيج متماسك ومنسجم؟ لا، فالقهر مرادف الخيانة، والشر دوماً منبع الخسة والنذالة، فى عائلة عبدالجبار الأخ يقتل أخاه طمعاً فى الأرض، وفى عائلة أبوعصاية الأخ يخون أخاه طمعاً فى السلطة، تتنافس العائلتان على رضا الباشا وتجارة الآثار، لكن كل كبير فى العائلتين هو شخصية درامية وليست مسطحة أحادية، رسمها مدحت العدل ببراعة، «عبدالجبار» هذا الطاغية تضبطه متلبساً بلحظات ضعف إنسانية أمام ابنته وحفيده، «أبوعصاية» مهرب الآثار تجده محافظاً على احترام الأخوة والصداقة والحفاظ على تماسك النجع، كل الشخصيات الشريرة يضيف مدحت العدل إلى خلطتها الشيطانية ضربة فرشاة سريعة من المشاعر المرهفة، حتى «شداد» زعيم مطاريد الجبل، له قلب عاشق وشجن ناى، أما «نادرة» التى جسدتها الفنانة نيللى كريم ببراعة وصدق فهى الكوكتيل الإنسانى المحير والمراوغ، قلب أم ضعيف كورقة شجر خريفية، وأحياناً قلب منتقم يحرقه الشر فيجعله فولاذاً، الموت دوماً فى خلفية الجدارية الفنية، يظلل كسحابة شتاء وينعق كغراب بين، منذ أول لقطة، زوج «نادرة» يموت، وشقيقها، وزوجها الثانى، وزوج دميانة تلك المسيحية التى يقدمها المسلسل بشكل مختلف عن أى تناول سابق، هى شخصية من لحم ودم، وليست مجرد نمط دينى يردد شعارات، بزوغ التطرف الدينى وتيار الإسلام السياسى فى ظل غفلة جميع التيارات الأخرى وغرقهم فى صراعاتهم الحزبية الضيقة، مما سمح للضباع بأن تلتهم الفتات وتغرز أنيابها فى شرايين الروح والهوية، فى وسط كل هذا الكابوس يولد حلم الدكتورة «أنس» التى تعرف هدفها جيداً برغم كل العبث المحيط، تضبط بوصلتها وعواطفها جيداً، وتناقش بالمنطق وتفكر بالعقل فى مناخ مجنون.

تعامل المخرج ماندو العدل بروح فنان تشكيلى لا مُنظّر سياسى، هناك كادرات ولقطات هى لوحات تشكيلية بالظل والضوء واللون، الإضاءة الخافتة فى المشاهد الداخلية ترجمت هذا الكابوس بكل دقة، فكان الغضب والاختناق والرفض لكل هذا الشر، الإضاءة عند المخرج ومدير التصوير ليست مجرد إنارة، وحركة الممثل عند «ماندو» لها غرض وليست عدد خطوات وميزانسين رسم هندسى أخرس وزاوية تصوير ثلجية، اختيار اللوكيشن عبقرى، تفاصيل المرأة فى النجع من زى ولغة ونظرة عين وانكسار روح تنقل إلى المشاهد كم القهر الذى تعانيه تاء التأنيث المحرومة حتى من حقها فى الميراث! كل الممثلين بدون استثناء نجوم لا أستثنى أحداً.

شكراً للمتحدة على دعمها لهذا العمل الرائع، وشكراً للمنتج المغامر والفنان جمال العدل، وكل طاقم العمل الذى قدم لنا هذه المتعة الفنية.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عملة نادرة عملة نادرة



أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:01 2025 الجمعة ,21 شباط / فبراير

كويكب مخيف... وكوكب خائف

GMT 18:35 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

حماس تعلق على مستقبل تبادل الأسرى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab