بقلم - خالد منتصر
يعد المفكر الراحل محمد شحرور مِن أهم مَن قدموا قراءة جديدة جسورة للنص القرآنى، وهو يعد من رواد مدرسة التفسير الجديد المعاصر القائم على الاستفادة من مساحة المعرفة الجديدة والعلوم الحديثة فى فتح نوافذ مختلفة ورحبة لهذه القراءة، إنها قراءة لا تلاوة، بحث عميق لا ترديد وتكرار واجترار، يقول «شحرور» فى أهمية تلك القراءة:
«ضرورة القيام بقراءة ثانية للنصوص الإلهية، خاصة ونحن فى بدايات القرن الحادى والعشرين، على ضوء النظم المعرفية المعاصرة، وذلك باختراق أصول الفقه التى لا يمكن أن يتم التطور والتقدم إلا باختراقها. لأن النصوص الإلهية بحاجة فى كل مرة لإعادة قراءة ثالثة ورابعة… حسب تغيُّر الأزمان وتقدُّم المعارف إلى أن تقوم الساعة، ولكل جيل أن يعيد قراءتها للاجتهاد لنفسه ضمن ظروفه ومعطياته ومتطلباته، وهى رسالة تستوعب كل الاجتهادات الإنسانية إلى قيام الساعة، وإن كان علماء الأصول قد قرروا نظرياً مبدأ «تتغير الأحكام بتغير الأزمان»، فإننا نقرر نظرياً وعملياً بعونه تعالى: «أن الأحكام تتغير أيضاً بتغير النظام المعرفى»، ولا عجب أبداً إن انتهينا فى قراءتنا المعاصرة لآيات الإرث فى ضوء الرياضيات الحديثة إلى أحكام ونتائج تختلف عن مثيلاتها عند أهل القرن الثامن الميلادى. فالمسألة أولاً وأخيراً ليست مسألة ذكاء وغباء، ولا مسألة تقوى وعدم تقوى، بل هى بكل بساطة مسألة إشكاليات نعيشها ونظام معرفى نقف عليه، سمحا لنا بأن نرى ما لم يستطِع السابقون رؤيته. ويجب أن يرى مَن يأتى بعدنا، بأرضيتهم المعرفية وإشكالياتهم المتطورة عنا، ما لم نستطِع أن نراه نحن ضمن إشكالياتنا ونظامنا المعرفى الحالى، بما أن الرسالة الإلهية (أم الكتاب وتفصيلها) رسالة إلهية مجردة، فإن أى اجتهاد فيها ضمن تفصيلها هو تشريع إنسانى مدنى ضمن حدود الله، وبالتالى نجد الاجتهادات الإنسانية النابعة عن مختلف القراءات لتفصيل المحكم اجتهادات حنيفية، ما يسمح بظهور التعددية والاختلاف فى الرأى فى القضية الواحدة. وهذا الأمر يؤسس لظاهرة الانتخابات والمجالس التشريعية والحد من مجال الفتوى ومجالس الإفتاء وإبقائها فقط ضمن حقل الشعائر دون أن تتعداه».