بقلم - إميل أمين
ما الذي يجري في تركيا؟ ولماذا هذه الهرولة الإردوغانية من قبل الرئيس التركي وزمرته من وزير دفاع إلى خارجية، وصولاً إلى مستشاريه، في محاولة للتصالح مع العالم العربي وفي المقدمة المملكة العربية السعودية ومصر؟
لا شيء مجاناً في عالم السياسة، فكل أمر مقدر تقديراً، ومع حكومة إردوغان، وتاريخها لا سيما خلال العقد الماضي، بما فيه من محاولات جسيمة لإصابة الأمن القومي العربي في مقتل، يضحى من الوهم القول إن الرجل أدرك خطأ سياساته إزاء دول المنطقة.
عشر سنوات بنوع خاص، أي منذ زمن الربيع العربي المغشوش والتهديدات التركية، بدءاً من الاعتداءات العسكرية، الظاهرة، والمؤامرات الإرهابية الخفية الباطنة، وصولاً إلى التدخل المسلح المباشر، ماضية قدماً من سوريا إلى العراق، ومن ليبيا إلى اليمن، وعليه يضحى التساؤل: ما الذي غير الأوضاع وبدل الطباع عند رجب طيب إردوغان، ودفعه وصحبه إلى استرضاء الرياض والقاهرة؟
المراقب لتصريحات إردوغان يدرك أن لهجته تكاد تتمسح في العلاقات التاريخية مع الشعوب، ومن غير أن يخاطب القيادات، كأن تلك الشعوب من غير ساسة يوجهونها، وملوك ورؤساء يحكمونها، وهي حيلة لا تنطلي على الشعوب ذات الولاءات المطلقة لأرضها ولقياداتها.
يصرح جاويش أوغلو زير خارجية إردوغان بأنه إذا أقدمت السعودية على خطوات إيجابية فسنقابلها بالمثل، والأمر ذاته ينطبق على الإمارات، عطفاً على مصر.
كلام ساكت، وقراءة في المعكوس، لا سيما إذا بحثنا عن أصل وجذر المشاكل، فالرجل الذي دخل إلى دائرة الحكم بشعار «صفر مشاكل»، أضحى اليوم من جراء أفعال يديه، صفر حلفاء من العالم العربي، وكتاب التاريخ وصفحاته يشيران إلى الأخطاء التي تصل إلى حد الخطايا التركية المميتة في زمن إردوغان تجاه العالم العربي.
أوغلو يمضي في مغازلة مصر، أو إن شئت الدقة قل محاولة اللعب على المتناقضات، بوصفه مصر وتركيا لديهما أطول مساحة من الأرض والحدود في شرق البحر المتوسط، ويمكنهما التفاوض على الاختصاصات البحرية، وكذلك توقيع اتفاقية بينهما في المستقبل.
وبالنظر إلى وزير الدفاع خلوصي أكار، نجده يكاد يتودد إلى المصريين بما يطلق عليه القيم التاريخية والثقافية المشتركة مع مصر، بل وأقرب إلى من يتسول اتفاقية مع المصريين.
ولعل موقف ياسين أقطاي مستشار إردوغان يعكس شكلاً مثيراً جداً يدعو للشك، فالدولة التي ما انفكت تهاجم القوات المسلحة المصرية، أضحت اليوم وعلى لسان أقطاي تتغزل في الجيش المصري، وتصفه بأنه «جيش عظيم نحترمه»، وتراه جيشاً للأشقاء ويتمنون له الخير.
والخلاصة، كما وردت على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية، هي أنه يمكن لتركيا أن تفتح صفحة جديدة مع مصر ودول الخليج؛ صفحة عنوانها السلام والاستقرار الإقليميان، هكذا وبسهولة، وقفزاً من فوق أخطاء السياسة الإردوغانية، التي ارتكبت في حق الشعوب العربية.
ولعله من المؤكد أن التحولات التركية المثيرة على النحو المتقدم تفتح أبواباً للشكوك، بأكثر من نوافذ لعقد اتصالات تسارع أنقرة الخطى من أجلها، وهذا ما يستدعي فهم ما ورائيات المشهد التركي على نحو أعمق، لا سيما في ظل الحراك السياسي من قبل المعارضة التركية، التي يبدو أنها حزمت أمرها على الخلاص من الحكم الشمولي الإردوغاني عما قريب جداً.
تحت قبة البرلمان التركي، وجهت ميرال أكشينار، رئيسة حزب الخير التركي، اللوم والتقريع الشديدين لإردوغان، الذي جعل الشعب التركي يدفع ثمن «سياساته الشخصية الخرقاء»، التي تسببت للبلاد في خسائر دبلوماسية وعسكرية وتجارية.
أما، فايق أوزنورك، رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، فيذهب إلى أن إردوغان رفض التصالح مع دول المنطقة، ما تسبب في خسائر غير مسبوقة للشعب التركي، وأولاها جعل تركيا دولة منبوذة في سياقها الإقليمي.
فيما ينصح كمال أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، بأنه إن أرادت تركيا أن تكسب فلا بد أولاً أن يتخلى إردوغان عن جماعة «الإخوان المسلمين»، ثم التصالح مع مصر وبقية دول الجوار.
باختصار غير مخلٍ، وصل إردوغان إلى مرحلة من العزلة تجعله تواقاً إلى منافذ جديدة يرى من خلالها النور، فأوروبا لا توده، والإدارة الأميركية الجديدة تتوعده، أما القيصر بوتين فيستغله في صراعاته الأممية وآخر الأمر يدرك كيف يتخلص منه.
إردوغان يحاول الخلاص من أزمات سياسية داخلية طاحنة، حكماً ستفقده منصبه الرئاسي في انتخابات 2023، ولهذا يحاول استعادة شعبيته الضائعة.
ولعل مغازلة مصر بنوع خاص تبغي حل أزمات النزاع البحري في المتوسط، وأكثر ما يخيف الرجل اليوم رؤيته للمناورات العسكرية السعودية مع اليونان، والتقارب بين القاهرة وأثينا.
السؤال الجوهري: كيف يمكن للعرب تصديق إردوغان ولا تزال نيران مدافعه تنطلق في الأرجاء العربية؟
المصداقية تتطلب أفعالاً تصحيحية، لا تراجعات كلامية وهمية.