أميركا المستقبل بعيون الرئيس والشعب

أميركا... المستقبل بعيون الرئيس والشعب

أميركا... المستقبل بعيون الرئيس والشعب

 العرب اليوم -

أميركا المستقبل بعيون الرئيس والشعب

بقلم:إميل أمين

لا تزال، وغالب الظن ستظل، الولايات المتحدة الأميركية، لوقت طويل، مالئة الدنيا وشاغلة الناس، سواء اتفقنا مع سياساتها أو افترقنا عن توجهاتها، ومردّ الأمر إلى المقدرات التي حددها، زيجينو بريجنسكي، حكيم أميركا، ومستشارها للأمن القومي، في زمن الرئيس كارتر، من عوامل تجعل دولة ما، عظمى بالمعنى والمبنى المتعارف عليه كونياً، وتتمثل في:

القوة الاقتصادية، ومقدار التماسك الاجتماعي بين مواطنيها، والإجماع والتلاقي على أهداف قومية معينة وواضحة، وأخيراً القوى المسلحة وإمكاناتها.

في هذا السياق، يهتم العالم باستشراف مستقبل الولايات المتحدة الأميركية، التي يُنظر إليها بوصفها رمانة الميزان، ومن دونها يختل توازن العالم، وربما معها أيضاً لا يستقيم الكثير من مناحي الحياة.

الأيام القليلة الفائتة، شهدت نوعين من القراءات الخاصة لأيام أميركا القادمة؛ واحد حكومي، والآخر شعبوّي، وكلاهما يعكس توجهات تحدد بصورة أو بأخرى، مشاهد رئيسية عدة على الصعيد الدولي.

من على منبر الجمعية العمومية للأمم المتحدة، تحدث نهار الثلاثاء الماضي الرئيس الأميركي حو بايدن، وقد بدا واضحاً أن «حجر الزاوية» في حديثه الشأن الخارجي لأميركا أكثر من الداخلي.

حمّل سيد البيت الأبيض روسيا وحدها، عبء الحرب الدائرة في أوكرانيا، ورأى أنها هي من يقف عقبة في درب السلام والأمن العالميين.

تحدث بايدن بلغة حديدية غير مغلّفة بقفازات من حرير، مشيراً إلى أن واشنطن عازمة على ألا يكسب بوتين الحرب، وإنْ ربح بضع جولات هنا أو هناك.

قطع الرئيس الأميركي بأن بلاده، ومن خلفها من دون أدنى شك أوروبا والناتو، عازمة على ألا تسمح بأن يمر ما سماه الاعتداء على أوكرانيا من دون محاسبة، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن خطوات أميركا القادمة تجاه الحرب المشتعلة، لا سيما بعد أن بدا للناظرين، تراجع الدعم الأوروبي المقدم لكييف، وقد كان آخر المشاهد موقف بولندا تحديداً، الجار الأقرب والعدو الأكبر للروس تاريخياً، ونكوصها عن تقديم يد العون مستقبلاً لزيلينسكي، ما يُنذر بتحولات أوروبية جوهرية في المشهد العسكري على أرض المعارك.

لم يوفر بايدن اللوم والتقريع لروسيا، متهماً إياها بأنها هي مَن تخلّت عن اتفاقيات الحد من الأسلحة، وهذا معناه أن مستقبل أميركا قد يكون موصولاً بالعودة إلى الماضي، وزمن الحرب الباردة، بأكثر من كونها متطلعة لعهود من الوفاق مرة أخرى.

مستقبل أميركا عند بايدن، وكما هو مرتبط عسكرياً بروسيا الاتحادية، هو كذلك معقود بناصية الصين، اقتصادياً أول الأمر، وسياسياً على الجانب المشاطئ، أما المنظور العسكري، فقادم ولا شك، وإنْ بهدوء وتؤدة يليقان بأحفاد كونفوشيوس.

تدرك الدوائر الأميركية كافة أن الصين منشغلة إلى أقصى حد ومد بمحاولة فهم وتفسير نتائج وتبعات مؤتمر قمة العشرين، لا سيما الطريق الجديدة التي تربط الهند بالخليج العربي وصولاً إلى مياه المتوسط، ومن ثم إلى أوروبا.

الصينيون يرون في المشهد لا محالة، التفافاً على مشروعهم الأممي، «مبادرة الحزام والطريق»، القائم على أنقاض طريق الحرير في القرن التاسع عشر من أجل ربط الصين بالعالم.

رسالة بايدن المستقبلية للصينيين، هي أن الأميركيين لا يرغبون في أن تتحول المنافسة مع بكين إلى نزاع، وأن الشراكات الأميركية مع بقية دول العالم لا تستهدف بالضرورة أي دولة.

هل على الصينيين أن يصدّقوا على كلمات بايدن، أم أنهم يدركون قدرية الصراعات بين القوى القائمة والقادمة، كما الحال في «فخ ثيوسيديديس»، بين إسبرطة وأثينا قبل الميلاد؟

مهما يكن من أمر الجواب، فإن بايدن حاول تقديم صورة استشرافية يوتوبية لأميركا، والتي تسعى لعالم أكثر أماناً ورخاءً ومساواةً، عالم يسعى فيها الذئب والحمل.

قد لا يؤمن الكثيرون حول العالم بما قاله بايدن، وفي مقدمهم ومن باب الإثارة الأميركيون أنفسهم، وهذا ما يقودنا إلى الرؤية الاستشرافية الشعبوية لمستقبل أميركا.

قبل أيام قليلة، صدرت عن معهد «بيو للبحوث واستطلاع الرأي» في واشنطن، أحد أهم المراكز الأميركية، نتائج عن رؤية الأميركيين مستقبل بلادهم، وفيها توجهات لعيّنة من الأميركيين المختلفين عرقاً، وعمراً، وانتماءً حزبياً.

من بين النقاط المستطلَعة، رؤية الأميركيين لقدرة إمبراطوريتهم على الانسجام مع بقية دول العالم، وقد جاءت مخيِّبة لآمال الرئيس بادين، إذ قال 41 في المائة إنهم متشائمون، ولا يظنون أن العالم يرتاح لطبقات أميركا السياسية، ولا للوائحها التكتونية البراغماتية، المنعكسة اقتصادياً وعسكرياً على بقية أرجاء المسكونة.

هل يعني ذلك أن خطاب الرئيس بايدن المستقبليّ، لم يتجاوز الدعاية البراغماتية لبلاده وشعبه؟

من الواضح أن القضايا الخلافية لأميركا، مع الكثير من القوى الدولية، لا سيما الآسيوية قد تركت بصمة واضحة على توجهات الأميركيين ورؤاهم، بل طبعتها بمسحة من التشاؤم، وإنْ ارتبط ذلك بملامح ومعالم داخلية.

على سبيل المثال أظهر استطلاع «بيو» أن 63 في المائة من الأميركيين المستطلعين، غير متفائلين بشأن «المعايير الأخلاقية»، في البلاد.

تحتاج هذه الجزئية إلى أبحاث معمَّقة تربط بين الأخلاق ومستقبل الحضارات تاريخياً، صعوداً وهبوطاً، ويكفي المرء أن يراجع الجدل الأميركي الداخلي، حول قضايا مثل المثلية الجنسية، والإجهاض، وتغيير الجنس، عطفاً على دس مبادئ الليبرالية المتفلتة دساً في نفوس الأطفال في المدارس، ليدرك صدق حالة التشاؤم المخيِّمة على الداخل الأميركي، وعلاقة الأمر بمستقبل الجمهورية التي كانت يوماً عند الآباء المؤسسين مثالاً لـ«المدينة فوق جبل».

امتد التشاؤم كذلك عبر استطلاع «بيو»، ليشمل العملية التعليمية، فقد أبدى 59 في المائة عدم رضاهم بل قلقهم من تدهور المستوى التعليمي، وللذين لا يعلمون، فإن الريادة العلمية، والسبق البحثي، هما ما مكّنا أميركا في الماضي من تسنمّ العالم على الأصعدة كافة.

أما النقطة الأكثر إقلاقاً لمستقبل أميركا الشعبوية، فتمثلت في تشاؤم نحو 44 في المائة تجاه المسألة العرقية، وملامح الانفجار تبدو بادية، لا سيما في ظل مخاوف الرجل الأبيض من أن يَضحى أقلية عمّا قريب.

هل من خلاصة؟

لا مستقبل لأي أمة حول العالم بمفردها... حتى ولو كانت أميركا.

arabstoday

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

GMT 06:11 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

اكتشافات أثرية مهمة بموقع ضرية في السعودية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا المستقبل بعيون الرئيس والشعب أميركا المستقبل بعيون الرئيس والشعب



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا
 العرب اليوم - وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 00:21 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مشروب طبيعي يقوي المناعة ويحمي من أمراض قاتلة
 العرب اليوم - مشروب طبيعي يقوي المناعة ويحمي من أمراض قاتلة

GMT 14:11 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
 العرب اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 07:30 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوق الأسهم السعودية تختتم الأسبوع بارتفاع قدره 25 نقطة

GMT 15:16 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

فليك يتوجه بطلب عاجل لإدارة برشلونة بسبب ليفاندوفسكي

GMT 16:08 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

سحب دواء لعلاج ضغط الدم المرتفع من الصيدليات في مصر

GMT 15:21 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

لاعب برشلونة دي يونغ يُفكر في الانضمام للدوري الإنكليزي

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 14:05 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

سيمون تتحدث عن علاقة مدحت صالح بشهرتها

GMT 15:51 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

غارة إسرائيلية على مستودعات ذخيرة في ريف دمشق الغربي

GMT 04:46 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب تشيلي

GMT 11:50 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الهلال السعودي يكشف سبب غياب نيمار عن التدريبات

GMT 19:57 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

أبل تدفع 95 مليون دولار في دعوى لانتهاك الخصوصية

GMT 14:07 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

المجر تخسر مليار يورو من مساعدات الاتحاد الأوروبي

GMT 11:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

كيروش يقترب من قيادة تدريب منتخب تونس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab