هكذا تمتحن ثورة 17 أكتوبر «حزب الله»

هكذا تمتحن ثورة 17 أكتوبر «حزب الله»

هكذا تمتحن ثورة 17 أكتوبر «حزب الله»

 العرب اليوم -

هكذا تمتحن ثورة 17 أكتوبر «حزب الله»

نديم قطيش
بقلم - نديم قطيش

تمتحن الهوية الوطنية اللبنانية المولودة من رحم ثورة «17 أكتوبر»؛ «حزبَ الله»، كما لم يُمتحن من قبل. بعيداً عن مبالغات وأد الطائفية مرة واحدة وإلى الأبد، وبعيداً عن توهم ولادة شعب لبناني علماني مدني لا صلة له بتراكيب الطوائف والمذاهب، ثمة شيء لبناني جديد يتصل بالهوية الوطنية.
ثمة تخفف لافت من احتلال الهوية الفرعية المذهبية والطائفية والمناطقية متنَ النص السياسي الذي يدور على ألسنة المتظاهرين. فما يقولونه بصيغة المطالب والشعارات وحتى الشتائم، يأخذ مسافة كبيرة من المذهبي والتجريد الهوياتي، ويعبر مسافة أكبر باتجاه الوطني الجامع والمطلبي العملي.
تكمن محنة «حزب الله» في هذه المنطقة بالذات؛ المنطقة الغريبة عليه؛ المنطقة التي لا تعينه على استنفار هوية مقابلة وتجريد مقابل.
من أين سيأتي بالدعشنة (نسبة إلى «داعش») ليصلي هؤلاء المتظاهرين؟ من أين سيجد لهم صلة بالإرهاب والتطرف؟ حتى تهم الارتباط بالسفارات والتمويل الأجنبي والتآمر الإمبريالي بدت صعبة المنال، بوصفها تهماً جاهزة يواجه بها الشبيبة في الشارع.
لم تكن هذه الحال بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولا بعد خروج سوريا من لبنان، ولا في ذروة تألق انتفاضة «14 آذار»، ولا بعد حرب يوليو (تموز) 2006، ولا بعد قرار دخوله في الحرب السورية. في المفاصل كلها هذه، لم يرتبك «حزب الله» كما هو مرتبك اليوم. لم تخوّنه لغة التخوين كما تخونه اليوم.
لا يلغي كل ذلك أن الاستنتاج العميق لـ«حزب الله» والذي يعبّر عنه قادة الحزب في السرّ ونخب الحزب الإعلامية في العلن، هو أن هذه الثورة تستهدف رأسه، من دون أن يعثر بعدُ على لغة للمواجهة.
خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله الأخير جسّد كل وجوه هذه المحنة. ففي مقابل إعلامه وتصريحات بعض محازبيه وإعلاميين يدورون في فلك خطابه السياسي، والذين دأبوا على اتهام الثورة بالتآمر على ما تسمى «المقاومة» وسلاحها، واستفاضوا في شرح ارتباط الثورة بأجندات خارجية، قال نصر الله إن الأميركيين وبإزاء مثل هذه المظاهرات وفي كل أنحاء العالم «يقومون بركوب موجة المظاهرات والاحتجاجات، وبشكل علني وبشكل وقح، ويُصورون للعالم بأنهم هم الذين يُديرون هذه المظاهرات وهذه الاحتجاجات»!!
غريب! غريب أن يقدم نصر الله للمتظاهرين «صكّ براءة» من تهمة أن يكونوا مطية للأميركيين، أو أنهم يُدارون من قبلهم. غريبة هذه «الموضوعية» في شرح التقاطعات المحتملة وغير المقصودة في السياسة بين فعل من هنا ومصلحة من هناك، وهو، أي هذا التقاطع، حقل من حقول العلوم السياسية الذي عادة ما تسقطه عقلية البحث عن المؤامرات. وذهب نصر الله أبعد من ذلك، مشدداً على أن المظاهرات لم تطرح بين مطالبها ما يتصل بمصير سلاحه ولا ما يتصل بإيران وسياساتها، وهي المعايير شبه الحصرية التي بها تقاس مستويات الوطنية أو العمالة عند «حزب الله».
الأغرب أنه؛ وللمرة الأولى وبإزاء مئات التصريحات الإيرانية السابقة، وبعضها بالصوت والصورة، عن أدوار عسكرية متوقعة من «حزب الله» في أي معركة إيرانية، بالإضافة لتصريحات لـ«حزب الله» نفسه يضع فيها قواته بتصرف الأمن القومي الإيراني، استفاض نصر الله في تفنيد «الكلام المنسوب» إلى مسؤول إيراني، في موقع إيراني، واصفاً إياه بالاختراعات والتحريفات الهادفة لاستفزاز بعض اللبنانيين وإحراج رئاسة الجمهورية وكثير من المواقع في الدولة وإحراج «حزب الله» وحلفاء وأصدقاء الحزب وإيران.
كانت تصريحات لمستشار في «الحرس الثوري» الإيراني، اللواء مرتضى قرباني، بأن إيران «ستسوّي تل أبيب بالأرض من لبنان»، قد أثارت موجة ردود فعل مستنكرة حتى بين حلفاء «حزب الله».
سبق تصريح قرباني الكثير والكثير من التصريحات الإيرانية المشابهة التي لم تستثر في نصر الله وحزبه حمية وطنية رافضة لها أو مدققة في مضمونها. فماذا تغير؟
ما تغير أن خطاب نصر الله يصطدم بهذه الهوية اللبنانية المولودة من رحم «ثورة 17 أكتوبر»، وبحساسيتها الوطنية العالية.
فجأة، ما عاد متاحاً لنصر الله وحزبه التعالي على اللبنانيين من موقع «وطني» منتفخ ومتخيل يرمي الآخرين بتهم العمالة كيفما اتفق. ولا عاد ممكناً تمرير الخطاب العسكري الكولونيالي لراعي «حزب الله» واحتقار السيادة اللبنانية بلا تبعات.
فالحضور الطاغي للأعلام اللبنانية والنشيد الوطني، والصور والفيديوهات التي انتشرت لمتظاهرين يسعفون جنوداً لبنانيين آذتهم قنابل الغاز المسيل للدموع، رغم ما تلقوه هم من قنابل وهراوات، مضافاً إلى مبادرات أهلية طامحة إلى تجاوز أكبر للهويات الفرعية نحو شيء لبناني أوسع وأرحب، كلها علامات لوليد ما يصطدم به «حزب الله»... وليد يمتحن لغته وخطابه ورؤيته للمختلفين عنه، خصوصاً وهم يتخففون من أي ارتباطات مع خصوم «حزب الله» التقليديين؛ المحليون منهم والإقليميون والدوليون.
هكذا؛ ورغم قناعته الراسخة بأن الثورة في العمق هي ضده، وضد طبقة سياسية يحكمها هو ويديرها هو ويستخدمها هو، فإن «حزب الله» ما زال يحاول أن يعثر على سبيل لوأدها من دون أن يضطر للتصريح بذلك.
يعرف «حزب الله» أنه لا يستطيع حكم لبنان من دون واجهة الطبقة السياسية المستهدفة، وهو ما أقر به نصر الله في خطابه حين أعلن رفضه تشكيل حكومة من لون واحد، لأن الخارج سيفاقم استعداء لبنان ومعاقبته.
هذه الواجهة، واجهته، وبوابته لحكم لبنان بشكل «شرعي». وهذه الواجهة تتداعى بين يديه بحيوية فتْية لم يعثر بعد على لغة يخاطبهم بها غير تجنيد المندسّين.

 

arabstoday

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

GMT 23:32 2024 الأحد ,12 أيار / مايو

تداعيات انتهاء حرب غزة على لبنان

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هكذا تمتحن ثورة 17 أكتوبر «حزب الله» هكذا تمتحن ثورة 17 أكتوبر «حزب الله»



درّة تتألق بفستان من تصميمها يجمع بين الأناقة الكلاسيكية واللمسة العصرية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 13:59 2024 الخميس ,27 حزيران / يونيو

مصر تُغلق مدارس سودانية مخالفة مقامة بأراضيها
 العرب اليوم - مصر تُغلق مدارس سودانية مخالفة مقامة بأراضيها

GMT 13:39 2024 الخميس ,27 حزيران / يونيو

ضبط طالب مصري أدار مجموعات للغش عبر الـ"فيسبوك"
 العرب اليوم - ضبط طالب مصري أدار مجموعات للغش عبر الـ"فيسبوك"

GMT 14:29 2024 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

الإفراط في تناول الفلفل الحار قد يُسبب التسمم

GMT 12:22 2024 الخميس ,27 حزيران / يونيو

كيمياء الدماغ تكشف سر صعوبة إنقاص الوزن

GMT 05:59 2024 الخميس ,27 حزيران / يونيو

3 شهداء في قصف إسرائيلي على منطقة الصبرة وسط غزة

GMT 19:03 2024 الأربعاء ,26 حزيران / يونيو

عودة أوكرانيا

GMT 04:27 2024 الخميس ,27 حزيران / يونيو

رونالدو يحقق أسوأ رقم في مسيرته الدولية

GMT 02:50 2024 الخميس ,27 حزيران / يونيو

كيف يكون الحل سودانياً؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab