هوامش حول نعمة التبصر وجنون العظمة

هوامش حول نعمة التبصر وجنون العظمة

هوامش حول نعمة التبصر وجنون العظمة

 العرب اليوم -

هوامش حول نعمة التبصر وجنون العظمة

بقلم - فـــؤاد مطـــر

اختلط الحابل الغزَّاوي الحمساوي بالنابل اللبناني الرئاسي، فما عاد التركيز الإقليمي والدولي على المعضلة اللبنانية، بالأهمية ذاتها على الحالة الإسرائيلية التي أحدثتها المباغتة الحمساوية، في لحظة من الزمن، أصيب فيها أهل السُّلطة في إسرائيل بما يشبه السكتة الدماغية لبعض الوقت، أو سكتة عمى البصيرة، اغتنمتْها فرصة البصير الفلسطيني الحمساوي، فأحدث بدءاً من يوم الأحد 7 أكتوبر 2023 «أم الصدمات» غير المسبوقة لإسرائيل في ثلاثة أرباع قرن، زمن اغتصابها فلسطين، بتخريجة بريطانية «وعد بلفور 1917».

وبعدما كان انشغال البال اللبناني منحصراً في مسألة ملء الرئاسة الأولى الشاغرة، وجعْل المؤقت للحكومة مجرد حالة اضطرارية، من مصلحة الجميع ألَّا تتكرر، أما إذا حدث موجِبٌ للأخذ بها، فلا يطول البقاء، إلى درجة أنها تصبح حالة أمر واقع؛ إذا بجولات التحدي الحمساوي ﻟ«إسرائيل نتنياهو» تبدأ، والرد على التحدي الشجاع بضربات كتلك التي تتواصل دون أي موجب لمصلحة الوطن والشعب بين جنراليْن خرجا على أهل السودان كمنقذَيْن لهم من نظام أفقد الوطن خاصرته الجنوبية، وأتاح المجال أمام تبعثر السودان، ولاية تلو أُخرى، وانفرد بأحادية حزبية إخوانية المشارب والتنظير، تستأثر بالمقادير، بينما شجرة التنوع والشغف بالممارسة الديمقراطية والموزاييك الحزبي ما زالت نشيطة للإثمار، ثم بعد نزوعهما التطبيعي مع إسرائيل يختار الجنرالان الانفصال حرباً، ما زالا يواصلان خوض غمارها، ممعنَيْن في إيذاء الشعب السوداني تدميراً ونزوحاً وإزهاقَ أرواح، وتعطيل مستشفيات، وبذر شقاقات على أنواعها، وكأنما هذا الفعل المبغوض هو توأم الذي يتواصل حدوثاً في غزة، بقرار من نتنياهو وكواسر في حكومته، وبتنفيذ من جيشه المجروح من خيبة أصابتهما بتوظيف الآلة العسكرية المقدمة كهبات من الإدارات الأميركية المتعاقبة، وكهدايا نفاقية من دول أوروبية تتكاذب تصريحات ومواقف، فيما يتعلق بحقوق الإنسان، بحيث يصبح صاحب الحق، وهو هنا الطرف الفلسطيني، هو المدان والمعتدي، وتكون المعتدية تاريخياً منذ عام 1948 هي المعتدَى عليها. لكَم يتمنى المرء للجنراليْن؛ المُتجوِّل منهما في بعض الديار العربية والأفريقية دون أي جنى يعزز أمره، وذلك الصامد في ربوع الوطن، المغلوب على أمره، حالة تيقُّظ مما اقترفاه، وما زالا يواصلان فيه.

والتمني موصول لكل من فلاديمير (روسيا)، وفلاديمير (أوكرانيا)، اللذين اصطفا إلى يمين «برهان» السودان و«حميدته»، ويستقبل الأربعة الذين حازوا ميدالية التفوق سياسةً وعناداً وقيادة حرب عبثية، أفرزت من التدمير ومن الترويع أعلى درجاته، ومن القتل الذي لا يفرِّق، ويشمل حتى الأطفال، واستهداف المستشفيات ومخازن الأدوية، وتعطيل محطات المياه والكهرباء، منذ أسبوع، ثالث المجلين «نتنياهو» في اعتماد الأسلوب نفسه لجهة التدمير، والتهجير من حي إلى أحياء أقل مخاطر تمهيداً لمخطط تهجير خارج الأرض، يعتقد أن ذلك يشفي جراح «أم الصدمات» التي أمعنت وخزاً في كبريائه، وأسطورية جيشه، وقطعت الطريق على حُلم تتويجه ثالث بناة الكيان، مفترضاً أن القادة العرب الذين أثبتوا للعالم بجناحيْه، الغربي والشرقي، أنهم مع التسوية المتوازنة التي يتقاسم فيها اليهود والفلسطينيون، مسلمين ومسيحيين، نعيمَ العيش في دولتيْن متسالمتيْن متعاونتيْن، إنما عبَّروا منذ طرْح «مبادرة السلام» العربية عن رؤاهم الواعية، خشية من قدرات الكيان المغتصب ونوويته، واعتباره الولاية المشرقية للولايات المتحدة قلباً وقالباً، وليس لأن قيادات شابة وضعتْها المقادير في خضم مسؤولية القيادة التي ترى أن التنمية هي السلاح الأمضى، وأن تركيز خططها ورؤاها إلى حين التنفيذ يتطلب بذْل كل الجهود والمرونة في الخيارات، ما دامت على مسار الصيغة الثابتة في الموضوع الفلسطيني «مبادرة السلام» العربية، ودون تضييع للوقت في تفسير مضامينها، وإيجابية الأخذ بها.

وعندما تضع أطراف الأخذ بما نشير إليه حدوداً على طريق تنشيط الصيغة بالتطبيع المتدرج؛ سقفاً لا مجال لاختراقه، وأحد تحفظات هذا السقف عدم الترحيب برغبة رئيس وزراء إسرائيل، نتنياهو، زيارة دولة خليجية فاعلة (الإمارات) قبل أن تتساوى النظرة الإسرائيلية مع النظرة العربية التطبيعية؛ فهذا أمر من شأن تأثير المفاجأة الحمساوية أن يأخذ به من سيلي نتنياهو في رئاسة الحكومة الإسرائيلية، باعتبار الرجل مخفقاً، ولن يُبْرئ جراحَ مكانته، والخدوش التي أصابت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، هذا الموقفُ غير المحترم؛ لفقدان الموضوعية، فضلاً عن هاجس تجديد الرئاسة، ومن جانب رئيس الحكومة البريطانية، ريشي سوناك، المتناسي وزر الأوزار من جانب عهد بريطاني سابق، يتمثل ﺑ«وعد بلفور» ووزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن الذي كادت عيناه تدمعان على إسرائيله، والذي ساد الانطباع بأنه في الجولة التي قام بها كان مأمولاً عربياً وأخلاقياً منه أن يرمي النار المشتعلة بما يخفّف اشتعالها، لا أن يقول من الكلام ما يجعل البغضاء للدور الأميركي تزداد ثباتاً في النفوس العربية... ويا ليته بوصفه وزيراً للخارجية الأميركية، وبما يمثله لبلده وللحليفة إسرائيل، يتأمل أهمية نعمة التبصر، ونوائب جنون العظمة.

ولعل خير ختام لهذه الهوامش، وبما يؤكد عوائد تلك النعمة، ومفاعيل جنون العظمة؛ العودة إلى أرشيف الأوائل الذين أسسوا الولايات المتحدة التي كانت بريطانيا العظمى قد فعلت بها، طوال زمنٍ سبقَ حربَ الاستقلال، ما تفعله إسرائيل، وبإرادات الأميركي- الأوروبي- الروسي في الدرجة الأساس، وتحت سمعه وبصره، واستنفار لبعض أسطوله؛ ليكون جاهزاً عند الطلب، بفلسطين وطناً وشعباً وحقاً، وأقصى وكنيسة، قيامة وقطاعاً، يُجرَّع كأس المهانة والإذلال، وإلى درجة بات من الطبيعي أن ينتفض شجعانه، ويسجلوا في المشهد العربي- الدولي ما سبق أن قاله الملك عبد العزيز، طيَّب الله ثراه، في مذكرة بعث بها إلى الرئيس الأميركي الثاني والثلاثين، فرانكلين روزفلت (من عام 1933 إلى 1945) في السنة الأخيرة من ولايته الرئاسية، وتحمل إلى جانب توقيعه تاريخ 26 ربيع الأول 1364هـ، الموافق 15 مارس (آذار) 1945م. وفي تلك المذكرة التي سبق إرسالها بدايةَ عهد الرئيس هاري ترومان (العهد الذهبي الأميركي للكيان الصهيوني الذي على أهبة النشوء، وتكريس الاعتراف السوفياتي قبل الأميركي به) قال الملك المؤسس مخاطباً الرئيس فرانكلين روزفلت، وكانت قد نشأت بينهما صداقة، تمثلت بدايتها بلقاء الزعيمَيْن يوم 15 فبراير (شباط) 1945 على متن طرَّاد في البحيرات المرة «قناة السويس» أي قبل أن تنتهي ولاية روزفلت الرئاسية: «إن تكوين دولة يهودية في فلسطين سيكون ضربة قاضية على كيان العرب. إن مساعدة الصهيونية في فلسطين لا تعني خطراً يهدد فلسطين وحدها؛ إنه خطر يهدد سائر البلاد العربية. إذا نفد صبر العرب يوماً من الأيام، ويئسوا من مستقبلهم؛ فإنهم يضطرون للدفاع عن أنفسهم، وعن أجيالهم المقبلة إزاء هذا العدوان. أعطُوا اليهود وأحفادهم من بيوت الألمان الذين اضطهدوهم...».

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هوامش حول نعمة التبصر وجنون العظمة هوامش حول نعمة التبصر وجنون العظمة



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab