جعبة الأيام وخارج الصندوق

جعبة الأيام... وخارج الصندوق!

جعبة الأيام... وخارج الصندوق!

 العرب اليوم -

جعبة الأيام وخارج الصندوق

بقلم - حسين شبكشي

في الأزمات المحورية العالمية الكبرى، يلجأ الناس في الغالب إلى وسائل مختلفة لمحاولة فهم واستيعاب ما يحصل معهم وحولهم. فهناك من يلجأ إلى الغوص في الدين ومظاهر التدين وطقوس ذلك المختلفة، وهناك من يلجأ إلى الروحانيات بمظاهرها المتعددة، كالتأمل العميق واليوغا وطرق التنفس المعنوية، وهناك من يلجأ إلى الرياضة الجسدية الممنهجة... كل ذلك لأجل إخراج الطاقة السلبية المتنامية أو السيطرة عليها نتيجة الأزمات المحورية العالمية الكبرى الحاصلة.
أيضاً هناك فئة من الناس تبحث وتغوص في بحور المعرفة لمحاولة الحصول على الإجابات الممكنة للأسئلة الصعبة جداً. البحث يكون دوماً عن أصحاب الفكر المضيء الآتي من العقول التنويرية القادرة على مقاومة تيار القطيع العام، والإتيان بالأفكار المختلفة من خارج الصندوق؛ عقول قادرة على تقديم شرح وأسباب منطقية وعقلانية لتفسير ما يحدث، على أن تكون الإجابات دوماً مرتبطة بما يخرج من مختبرات العلم والعلوم القابلة للمراقبة والتحقق والقياس. ويبرز في هذا المجال أسماء قليلة ومحدودة، ولكنها بالغة الدلالة والتأثير والأهمية؛ أسماء مثل العالم المتخصص في الأحياء والجغرافيا، البروفسور جاريد دايموند، الذي يطلق عليه لقب «تشارلز داروين الأميركي»، وهو الذي يقدم سردية تاريخية مهمة وعميقة ومبهرة للبشرية، وأسباب نجاح وسقوط الأمم والمجتمعات، سواء بدراسة المجتمعات البدائية في غابات جاوه بإندونيسيا، أو في مناطق غينيا الاستوائية، أو بدراسة المجتمعات الصناعية الأولى في أوروبا وأميركا الشمالية، ويقدم أدلة بالغة الدلالة والأهمية عن أسباب تفوق المجتمع الصناعي الغربي الأوروبي الاستعماري على سائر الأمم وقتها. وقدم هذه الأفكار في كتب مختلفة، لعل أبرزها كان «بنادق وحديد وجراثيم»، بالإضافة إلى سلسلة لم تتوقف من الندوات والمحاضرات والمنتديات والمقابلات.
هناك أيضاً الكاتب الإسرائيلي المقيم في كندا يوفال نواه هاراري، الذي أثار زوبعة كبيرة بكتابه الرائع عن تاريخ الإنسان، والذي أطلق عليه عنواناً لافتاً وذاتي الشرح، هو «العاقل»، وبعده قدم للعالم كتاباً آخر لا يقل أهمية عن الكتاب السابق، وفيه يقدم تصوراً دقيقاً عن المستقبل الذي ينتظر الإنسان والبشرية فيما هو قادم من الأيام. وتحولت رؤيته للتاريخ ونظرته عن المستقبل إلى أحد أهم محفزات التفكير، الذي ينطلق منه المتخصصون والمتابعون للشؤون الفكرية والتاريخ الاجتماعي للإنسان.
أما اقتصادياً فهناك المفكر الفرنسي الاستثنائي توماس بيكيتي الذي قدم كتابين في غاية الأهمية أثريا الساحة الفكرية، وحركا مياه الفكر الاقتصادي الرتيبة بطبيعتها، فقدم كتاب «المال... في القرن الواحد والعشرين»، ثم تبعه بكتاب آخر لا يقل أهمية ولا خطورة في طرحه، وهو «المال والآيديولوجيا» الذي قدم تشريحاً عميقاً ودقيقاً للعلاقة المعقدة والمتشابكة بين رأس المال والعقيدة السياسية (بمختلف أشكالها وتوجهاتها ومشاربها وأنواعها)، وكان قبلهما قد قدم كتاباً آخر بعنوان بسيط، ولكنه عميق، وهو «اقتصاد عدم المساواة»، الذي يشرح فيه الأسباب الاقتصادية الأساسية التي تتسبب في عدم المساواة داخل المجتمع الواحد. وكذلك قدمت الراهبة الكاثوليكية السابقة كارين آرمسترونغ أهم الأطروحات المفندة لتاريخ الأديان والعنف الناتج من خلال التطبيقات المتطرفة للساسة والأتباع، وهذا الذي تسبب في خلق مناخ لا ينتهي من الاستقطاب الذي لا ينتهي، والذي أدى إلى سقوط الملايين من القتلى، وأنهار لم تتوقف من الدماء لا تزال مستمرة حتى اليوم.
القدرة المختلفة والاستثنائية على تحليل وتشخيص وتشريح المشكلات الحاصلة أمامنا في العالم هي التي تخرج إلينا الأفكار التنويرية، كما علمنا ويبين لنا التاريخ بفصوله وجولاته التي تتكرر بنفس الشكل أو بأشكال متجددة دوماً. العلم في حال من التطور المستمر، ويبقى أداة القياس البشري لمفهوم التصديق والبرهان، هو ما يخرج من مختبر العلوم والتعليم ويدخل إلى العقل بالقبول المحترم. هناك شعوب وأمم اعتمدت العلم، وهناك شعوب وأمم أخرى اعتمدت على العلم «البديل»، فضلّت وضلّت الطريق. رغم السوداوية الشديدة التي جاءت مع أخبار تفشي جائحة (كوفيد 19)، فإن هناك مجموعة غير قليلة من العلماء المتفائلين الذين يعتبرون هذه الفترة فترة مختبرية علمية بامتياز، لو أحسن استغلالها ستحصد البشرية حصادها في مجالات التقنية والتعليم والصحة وغيرها.
الأيام المقبلة تحمل في جعبتها الكثير على ما يبدو.

 

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جعبة الأيام وخارج الصندوق جعبة الأيام وخارج الصندوق



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab