الغباء العاطفي

الغباء العاطفي!

الغباء العاطفي!

 العرب اليوم -

الغباء العاطفي

بقلم - حسين شبكشي

في عام 1995 صدر كتاب في غاية الأهمية بعنوان «الذكاء العاطفي» لمؤلفه الأميركي وعالم النفس الشهير دانييل غولمان، وسرعان ما احتل هذا الكتاب صدارة قوائم الكتب الأكثر مبيعاً في الغرب والعالم وتمت ترجمته إلى لغات عديدة، وأعيدت طباعته مرات كثيرة. والذكاء الاجتماعي كما يعرفه المؤلف هو القدرة على فهم وإدارة عواطفك، بالإضافة إلى التعرف والتأثير على عواطف من حولك من الناس. وأول من استخدم مصطلح «الذكاء الاجتماعي» كان الباحثان جون ماير وبيتر سالوفي، ولكن المصطلح نال شهرته الكبرى مع كتاب دانييل غولمان.

وبالنظر إلى ما يتم طرحه هذه الأيام من مواضيع مهمة ومسائل شائكة على مختلف منصات التواصل الاجتماعي وأسلوب التعاطي معها، يبدو أننا بحاجة ماسة للغاية لإيجاد مصطلح جديد يفسر هذه الحالة المنتشرة، ولعل المصطلح الأنسب لذلك هو «الغباء الاجتماعي».

هناك خلط كبير وهائل وعظيم بين الواقع والتمني في أسلوب وطريقة التعاطي مع ما يطرح من مواضيع للبحث أو لإبداء الرأي. وشتان الفرق بين الواقع والتمني.

مؤخراً أتابع ما يكتب ويتم طرحه بخصوص موضوع «نهاية الولايات المتحدة» و«سقوط الغرب»، وما يشبه ذلك من عناوين تدور في المدار نفسه وتطرح المعنى ذاته. وهذا الطرح ليس بجديد، ولكنه يتم ترديده منذ أكثر من خمسين عاماً على أقل تقدير. وتم نشر عشرات من الكتب الأكاديمية والشعبوية التي تتبنى الطرح نفسه.

وفي السابق تم استدعاء عدد مهم من الأحداث المحورية للاستشهاد بها كدليل دامغ ويقين مؤكد أن ما يحصل هو تأكيد على نهاية أميركا. أحداث مثل الركود العظيم أو حرب فيتنام، فضيحة ووترغيت، انتشار الجريمة وتفشي المخدرات.

والآن، يتم استحضار حراك اليسار المتطرف، تحديداً ما يتعلق بموجة دعم الشذوذ والمتحولين جنسياً بشكل مستفز ومخيف ومقلق يعارض بشكل واضح الخيارات وحرية الرأي، وفيه جبروت واضح ضد الأسرة وحقها بحماية الأطفال فيها.

وهي مسألة محورية وفي غاية الأهمية وتستدعي بحثها والاهتمام الكبير بها للتعامل معها بقوة. ولكن هذه المسألة لا ينبغي أن تشغلنا عن رؤية المشهد بشكل تاريخي وموضوعي ودقيق. الولايات المتحدة سبق لها أن خاضت تحدياً وجودياً في منتهى الأهمية والخطورة؛ تمثل ذلك في الحرب الأهلية المدمرة، التي هددت بالقضاء على الدولة نفسها وتقسيمها إلى دولتين. عادت بعدها أميركا أكثر قوة وتماسكاً وتفوقت على غيرها من الأمم بشكل كبير.

هناك كتل سياسية وشعبية تتحرك اليوم في الولايات المتحدة لمواجهة اليسار المتطرف وتعد العدة لذلك، حراك ديني ومحافظ ورأسمالي يسعى للحفاظ على «قيم الأسرة والأخلاق والعادات المجتمعية»، وهذا تيار مهم ويتصاعد نفوذه.

دوران الأمم بين الصعود والأفول سنة كونية، لأن دوام الحال من المحال كما تعلمنا صفحات التاريخ باستعراضها إمبراطوريات مختلفة سادت ثم رحلت.

ولكن تبسيط الأمور والاستخفاف بها والاعتماد عن قناعة بأن الولايات المتحدة الأميركية في طريقها الآن إلى الزوال نوع من المخدرات المذهبات للعقل.

فهذه الدولة هي التي لا تزال القوة العسكرية الأولى والقوة الاقتصادية الأولى وصاحبة العملة الأقوى وبها أهم المراكز التعليمية والصروح الطبية وأكبر مراكز البحوث والتطوير وصاحبة أكبر عدد من براءات الاختراعات المسجلة في العالم.

وهذا الأسلوب يذكرنا بالطريقة التي كان يتم فيها التعامل والتعاطي مع أي أطروحة علمية تناقض الموروث الديني أو الاجتماعي، فيتم تجنيد الآراء والأصوات الكثيرة لاغتيال شخصية صاحب هذه الأطروحة والطعن في دينه وأخلاقه، وبالتالي إفقاد أي جدارة أو مصداقية للمادة العلمية التي طرحها وإدخال كل ذلك تحت بند «أعوذ بك من علم لا ينفع».

تحليل المواضيع بشكل علمي وموضوعي وعميق بعيداً عن السطحية والعاطفة والشعبوية هو الذي يمنح الطرح الاحترام والمصداقية، أما غير ذلك فلا يمكن أن يؤخذ بجدية مهما كان ظاهره مقنعاً وحماسياً.

وبالتالي يبدو لنا جلياً أن طغيان الغباء الاجتماعي هو الذي ولد الأرضية المناسبة لطرح كم مهول من الآراء والانطباعات والأماني وتقديمها على أساس أنها طرح علمي جدير بالانتشار، ويساعد في ذلك تقنية حديثة على وسائل التواصل الاجتماعي تجعل الهراء ينتشر في لمح البصر.

البحث عن الحقيقة يتطلب جدية ووقتاً وجهداً، فحتى هذه اللحظة لم يخترعوا تطبيقاً لعمل ذلك.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغباء العاطفي الغباء العاطفي



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab