لا وقت للعزاء في إيران

لا وقت للعزاء في إيران!

لا وقت للعزاء في إيران!

 العرب اليوم -

لا وقت للعزاء في إيران

بقلم : د.محمد الرميحى

على الرغم مما على السطح من أحداث في إيران، فإن البحث في العمق أن النظام الإيراني القائم يدخل في (أزمة هوية عميقة) فمشروع (أم القرى) الذي بشّر به عدد من القياديين ووضعوا الخطط لتنفيذه، يواجه ليس صعوبات فقط ومقاومة، ولكن استنزافاً، ذلك المشروع أن إيران في ظل ولاية الفقيه (الحكم الإلهي) تملك مشروعاً متكاملاً لقيادة المنطقة، وخاصة الجوار العربي، إلى مكان أفضل في رأيها.
إلا أن ذلك المكان الأفضل لم يتبلور، بل أصبح في الواقع المكان (الأسوأ)، سواء في زيادة الفقر والبطالة وانتشار الفساد، ليس في إيران فقط ولكن في كل بقعة لإيران نفوذ فيها.
أزمة الهوية وصفها المفكر الإيراني علي شريعتي، حيث صرف الجهد الذهني للتفريق بين التشيع العلوي والتشيع الصفوي، والأخير هو (صيغة) إيرانية للمفارقة مع العرب، والتي كان ولا يزال يسمى إسلامهم لإيران (الغزو العربي). الأزمة بين العربية لغة العرب ولغة الإسلام، وبين إسلام يعتمد اللغة العربية و(يزدري العرب)! تكمن عقدة الهوية القائمة في إيران.
هذه العقدة لها تجليات مختلفة، فافتراق إيران منذ العهد الصفوي، عما كانت عليه إلى التشيع الصفوي هو محاولة تأكيد (الهوية الإيرانية)، وهي هوية لم تستطع العودة إلى ما قبل الإسلام، وبالتالي الانفكاك من آثار (الغزو) العربي، ولا هي قادرة على التعايش بين العربية لغة الدين وبين الحضارة الإيرانية التاريخية.
العودة إلى الإمبراطورية الفارسية هي ما يشكل اليوم المسكوت عنه في مشروع أم القرى، أي نفوذ تحت خليط ملون من التشيع والقومية، الأمر الذي جعل من الدولة الإيرانية بعد التخلص من الشاه أن تستنزف أموالها وطاقتها ودبلوماسيتها وكل قواها لتحقيق ذلك المشروع المتخيل.
مع مرور الوقت شعرت الشعوب الإيرانية أن (ليلها) سوف يطول، من هنا انفجرت الاحتجاجات والتي أصبح لها اليوم أشهر، هذه الاحتجاجات قدمت حتى الآن مئات الضحايا، سواء من قتل في الشوارع أثناء الاحتجاجات، أو من علق على المشانق، وأغلب الآخرين تم تعذيبهم حتى وصل ببعضهم الأمر أن (اعترفوا بما لم يفعلوا) فقط من أجل التعجيل بانتقالهم إلى العالم الآخر بعداً عن التعذيب اليومي الذي كانوا يلاقونه.
من الواضح أن (أزمة الهوية) وصلت إلى نهاية المطاف بعد صبر طويل من انتظار إصلاحات ما يقوم بها النظام، وتتكاثر اليوم القوى المناهضة للنظام والذي لا يبدو أن لديه أي قدرة على مواجهة ذلك الزخم الشعبي إلا من خلال آلة القمع من جهة، وتصدير المشكلات إلى الخارج إثارة للنعرة القومية من جهة أخرى، وهنا يذكّرنا التاريخ بإحدى مفارقاته، فقد كان القمع أحد أهم أدوات الشاه محمد رضا بهلوي في مواجهة مطالب التغيير، وقد كان لجهاز السافاك اسم مروع لدى الإيرانيين وقتذاك، إلا أن كل (القبضة الصلبة) لم تؤت أُكلها، بل على العكس كانت دافعاً للمقاومة والاحتجاج الداخلي، أما تصدير المشكلات إلى الخارج فهي تمتد من (شرطي الخليج) في الماضي، إلى الاحتجاج الرسمي على دورة الخليج في البصرة قبل أسبوع، وهو احتجاج يحمل كل معاني محاولة التغطية على المشكلات الداخلية.
اليوم يعود التاريخ ليكتب ما كتب في السابق مع زيادة في التطور التقني وطرق المقاومة، حيث أعلنت عدد من أسر المغدورين في الشوارع أو على منصات الإعدام أنهم لن يتقبلوا العزاء في أبنائهم كما قالوا ليس الآن ولكن في (يوم التحرير)!
يجري اليوم قتل المحتجّين في شوارع المدن الإيرانية وتعليق بعضهم على المشانق تحت تفسير فكرة تراثية (المفسدون في الأرض) وهو تعبير مطاط يستخدم من أجل تعميق سلطة كهنوتية مفارقة للعصر، وتعتقد أنها تتكلم باسم الخالق وتتحكم في رقاب ملايين من البشر ضاقوا ذرعاً بهذا النوع من التفسير التراثي المغيب لحرية الإنسان ومصالحه.
في الغالب فإنَّ مشروع أم القرى هو آخر المشاريع التي قامت على فكرة (الإسلام الحركي) والذي فشل، سواء كان بقاؤه في الحكم طويلاً كمثل السودان، أو قصيراً كمثل مصر وما بينهما، فقط النظام الإيراني هو الأطول زمناً في البقاء، حيث خلط بين الشهوة القومية والطموح الطائفي وكانت خلطة ناجحة إلى حين.
بدأ الحديث العلني بين قوى إيرانية أن فكرة (ولاية الفقيه) هي فكرة طارئة على التفكير الشيعي، وقد كانت موائمة لحشد ملايين البشر في ذلك الوقت لإطاحة نظام الشاه، إلا أن الزمن أثبت أن إطاحة دكتاتور من البشر لا يعني الإتيان بآخر يدّعي أنه يتمتع بسلطة إلهية، وبالتالي يجب أن يطاع، تاريخ الشعوب الإيرانية يقاوم انخراط الفقهاء في السياسة، هم فقط احتياط للتغير، ولكن لا يتوجب أن يقودوا التغيير ويتحكموا في السلطة العامة.
لقد كان منظر إطاحة عمامة المعممين في شوارع المدن الإيرانية دليلاً على سأم الشارع الإيراني من هذه الطبقة والتي تبين مع التجربة الطويلة أنها غير منزهة عن الفساد واستغلال النفوذ.
يختلط تياران معارضان في إيران اليوم، الأول المدرسة المفارقة لولاية الفقيه والتي هي محافظة، ولكن غير مقتنعة بشكل وأعمال الحكم القائم، وأخرى ليبرالية تنادي بشكل آخر مختلف من الحكم الحديث، إلا أن المشاهد أن الاحتجاجات التي تفجرت في إيران سوف تستمر بأشكال مختلفة، ولن يزيدها القمع أو محاولة مغازلة المشاعر القومية إلا إصراراً على مشروعها التغييري.
قامت الثورة الإيرانية على تحالف واسع أبرزه رجال الدين ورجال البازار والطبقة المثقفة ذات التعليم الغربي، من الواضح أن ذلك التحالف قد ضعف مع الوقت، وهو الآن قد تفكك، بقي العسكر الجدد القادمون في الغالب من الأرياف مع بعض رجال الدين، فأصبحت القاعدة الحاضنة للحكم ضعيفة، ومع زيادة الفقر والبطالة وتفشي الفساد، لم تعد تلك القاعدة بقادرة على حمل الحكم أكثر من توقها للتغيير.
آخر الكلام:
شعار (زن زندكي أزادي) المرأة الحياة الحرية أصبح شعاراً عالمياً وسوف تردده أجيال من الإيرانيين.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا وقت للعزاء في إيران لا وقت للعزاء في إيران



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 18:57 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه
 العرب اليوم - العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة

GMT 01:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف مناطق إسرائيلية قبل بدء سريان وقف إطلاق النار

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab