أشواك القرنفل

أشواك القرنفل

أشواك القرنفل

 العرب اليوم -

أشواك القرنفل

بقلم : محمد الرميحي

 

مع أن القرنفل ليستْ له أشواكٌ بالمعنى المعروف، فقد اختاره المرحوم يحيى السنوار ليُعَنون به روايته، التي كتبها في سجن عسقلان وهو سجين، ونشرت قبل عشرين عاماً. ما كتبه الكثير من القادة في السجن يحوي المرارة، وعادة هؤلاء القادة مختلف عليهم، سواء في بيئتهم أو العالم.

أدولف هتلر كَتَبَ كتابه المعروف «كفاحي» وهو في السجن، سيد قطب كتب كتابه «في ظلال القرآن»، وهو في السجن، كما فعل أيضاً السنوار.

كتابة السجين تحمل مرارة على سجانه والبيئة التي يعيش فيها، وهكذا هي «أشواك القرنفل».

يبدأ السنوار الرواية أو القصة، التي يقول إنها ليست له فقط، لكن من مجموع خبراته وما سمعه من رفاقه، فهي إذن مساحة واسعة الخبرات السلبية التي واجهها الفلسطيني في مرحلة الثلث الأخير من القرن العشرين والثلث الأول من القرن الحادي والعشرين. كل فقرة من هذه الرواية أو الكتاب تقطر دماً وألماً تُعبّر عن جيل حائر في الشتات، تحرقه الشمس في الصيف ولا توفره الأمطار في الشتاء، حيث تُغمر عشَّتُه الطينية.

كان عمره فقط 5 سنوات عندما بدأت حرب 1967، وهي مفتتح الرواية؛ شاهد والده يحفر حفرةً كبيرةً أمام المنزل ويغطيها بالألواح، ويطلب من الجميع؛ إخوته وأخواته، والدته، وعمه، وزوجته، وأولاده، أن يختبئوا فيها، فقط جده كبير السن رفض النزول إلى الحفرة، المظلمة الباردة، وجارتهم التي حملت راديو تقف على حافتها تستمع إلى الأخبار.

إنها الحرب، وسوف يفقد الطفل الذهاب إلى المعسكر المصري القريب، حيث يعطف عليه وأمثالَه الجنودُ المصريون بشيء من الحلوى.

الأخبار مفرحة والجارة تزف إليهم أخبار النصر، وما هي إلا أيام حتى يعرف الجميع الخبر، على غير ما نقله أحمد سعيد من أخبار في الإذاعة، إذ كان يحمل تباشير النصر، ومعه حلم من كان في الحفرة؛ العودة إلى مسقط رأسهم.

خلال أيام عَرَفَ الجميع الخبر. انسحب الجيش، ولم يُقصّر البعض في نهب ما ترك من مؤن، بل حتى شبابيك المدرسة التي كان يعسكر بها قد اقتُلعت من أهل المخيم!

جاءت دبابات وعربات جيب إلى المخيم تحمل الأعلام المصرية، خرج الرجال ببنادقهم يحيونها ويطلقون الرصاص في الهواء، وما إن اقترب الجمع حتى فتحت تلك الدبابات والسيارات النار على المرحبين. تبين أنها سرية عسكرية إسرائيلية موّهت الناس برفع العلم المصري، وقُتل من قُتل من المرحبين. طُلب من جميع الرجال فوق الثامنة عشرة أن يذهبوا إلى المدرسة القريبة، ومن يتخلف عند تفتيش المنازل سوف يُقتل، فذهب الجميع إلى هناك، حتى الجد المثقل بالسنين خرج ليسلم نفسه، لكنه أُعيد لكِبَر سنه.

الجميع صُفَّ في طابور واحد، ثم جاء أحدهم بثياب مدنية، في سيارة، ومُرّرت الصفوفُ عليه، ليضغط على بوق السيارة عند مرور من يريد، فيُأخذ الرجل، وبعد التصفية الأولى جاءت الثانية، فتجمع عدد من الرجال، وُضعوا جميعاً قرب الحائط، ثم أُطلقت النار عليهم جميعاً، الباقون قيّدوا وأرسلوا إلى الحدود بغير رجعة.

ذلك أحد المشاهد الدامية التي تقدمها لنا تلك الرواية، ويذهب فيه الوالد والعم دون رجعة.

تتكرر المشاهد المفزعة لأحداث ما بعد حرب 67، داميةً وموجعةً من نقص الزاد والماء والغطاء مع مرارة وذل الاحتلال.

ذلك ما شكل مجمل شخصية السنوار، والمرارة التي بقيت في نفسه حتى استشهاده في الأيام الماضية، وهي مرارة ذاقها كل إن لم يكن معظم أبناء هذا الشعب.

تكتيكات إسرائيل هي تقريباً نفسها في ما بعد 1948 وبعد 67 والحروب التي تلت، هي نفسها حتى ما بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بل زادتها التقنية الحديثة صلافةً وشدةً.

أمام هذا المشهد لم يستطع كثير من القادة التوقف لدرس ما حدث في الماضي، وسوية القدرات المتوفرة لدى الخصم وما يقابلها من قوة.

الدروس التي تراكمت طغت على فهمها العواطف مخلوطة بالكثير من التفكير الماورائي، وعدم قدرة على مواجهة الحقائق كما هي، وابتكار طرق جديدة للمقاومة.

غزة أرض مسطحة ومُحَاصرة من البحر والجو، والمدد ضئيل إن لم يكن مستحيلاً تمريرُه، وثمة عملية إبادة جماعية، لم يكن التمويه بعيداً عنها، كما حصل مع رفع الأعلام المصرية!

ومع ذلك سمعنا تكراراً أن إسرائيل سوف تنتهي في غضون 10 سنوات، وآخرون قالوا في أقل من ذلك، وتفرغ البعض من العسكريين القدامى للحديث عن الاشتباك من «مسافة الصفر»!

آخر الكلام: الفرق قيل كثيراً وكُرر أن الصراع علمي وحضاري يحتاج إلى عقول وليس إلى صواريخ فقط ومقاتلين شجعان.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أشواك القرنفل أشواك القرنفل



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab