الحداثة المستعصية

الحداثة المستعصية !

الحداثة المستعصية !

 العرب اليوم -

الحداثة المستعصية

بقلم - محمد الرميحي

ليعذرني القارئ الكريم أن أتحدث في هذا المقال عن أحداث شخصية أرى أنها تهم المجتمع العربي بكل أو بمعظم شرائحه، والمجتمع الخليجي الذي أنتمي إليه، وهي قضايا فكرة تتلخص في استعصاء الحداثة الفكرية.

والدي، رحمه الله، ربما ولد في العشريات الأولى من القرن الماضي، وعاش لوقت طويل وصاحبته خبرات متنوعة، وقد كان رجلاً فطرياً كمثل جيله، وفي حال مضايقته بقول من التراث من أحدهم لا يتسق مع المنطق، يقول جملة لم أتبين معناها بدقة كبيرة إلا بعد أن خضت تجارب قريبة منها، كان يقول، وهو في ضيق من أمره، عندما يسمع تلك التعبيرات الخارجة عن المنطق السليم: (اللهم أمتني حضرياً شقياً، ولا بدوياً تقياً)! تبادر إلى ذهني وأنا في ريعان الشباب أن (البدوي) ربما لم يكن ذا علم بالتراث، فهو يفسر الأمور الاجتماعية تفسيراً مبسطاً وربما سطحياً، ولكن بعد التأمل، وجدت أنه كان يقصد بالبدوي (الجهل والجهلاء)، ويتمنى أن يموت (شقياً) في مبالغة واضحة وهو حضري أو متحضر أو عاقل، يفهم معنى ما يراد من القول، ولا جاهل يدعي المعرفة.

لقد ذكرت ذلك ليس لأنه ماضٍ، بل لأنه حاضر يعيش بيننا، ففي لقاء في ندوة علمية عقدت في عاصمة خليجية هذا الأسبوع، كان بعض مواضيعها حول (الثقافة والتنمية) وكان لي مداخلة مكتوبة وعرض حول الموضوع المعقد والشائك، لأننا في منطقة الخليج نمر اليوم بعملية تحديث مادي ضخمة ومشاهدة، ولكن أيضاً هناك شرائح في المجتمع ما زالت تفكر تفكيراً تراثياً في العلاقات والمفاهيم، وتريد تقيد وسائل الحداثة بما يفهمه من تراث في الغالب ليس له علاقة بما نعيش فيه.

قد يبدو للفطن أن ذلك مسلمة لا تحتاج إلى نقاش، وضربت مثلاً بأن بعض خطوط الطيران في المنطقة تفرض قبل الإقلاع ما يسمى (دعاء الركوب)، وأكملت أن ذلك الدعاء مناسب تماماً لعصره، حيث كان الناس يركبون الجمال لانتقالهم من مكان إلى آخر، لذلك فإن الطريق فيها من المخاطر و(الوعثاء) ما يدعو إلى الدعوة للنجاة منها، أما السفر بالطائرة الحديثة فهو لا يحتاج إلى ذلك، ثم إن وسائل السفر الحديث بالضرورة تضم أفراداً من مجتمعات وثقافات أخرى مختلطة، قد ينظر بعضهم إلى ذلك الدعاء على الأقل نظرة استغراب وربما دهشة.

بدا لي أن الأمر طبيعي، وأعتقد أن الكثير من المتلقين في الندوة قد فهم المغزى، وهو نقد ظاهرة الانقسام بين وسائل الحداثة، وبين التفكير التراثي، وأنه مزايدة لا مكان لها، فمن أراد أن يدعو بأية لغة وبأي كلمات يقولها في سره، وذلك أمر محترم، ولكن فرضها على الجميع قد لا يكون في محله!

كان ذلك محاولة لضرب مثال، وفي المناقشة انبرى (أحدهم في مزايدة) بالقول ما معناه (إن ذلك تراث يتوجب أن يحترم) وبضع كلمات وعبارات من هذا النوع (المزايد)، وقتها فكرت في الحكمة اليونانية (تكلم حتى أراك) لأن تلك الشخصية التي تدعي (الثقافة) كشفت عن نفسها بجهلها المنهج المتبع في العلوم الاجتماعية الحديثة، بأن تفسر الظواهر بمسبباتها تعطيها معنى مفهوماً.

مثل ذلك التفكير منتشر في فضائنا العربي وهو (المزايدة) وأيضاً محاولة (الإرهاب الفكري) لمن يحاول أن يفكر بمنطق، تذكرنا بعصر الظلام، ومقولة (كل من تمنطق فقد تزندق)! في ربط بين محاولة الشرح والتفسير، وبين ثوابت ما هي ثابتة، فليس في التراث الإسلامي (علماء دين) فيه فقط (فقهاء)، إن حق الاجتهاد مكفول في (فقه المصالح)، كما أن (الاختلاف رحمة)، لذاك قيل (العلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً) أي تطويع المعنى لمصلحة المجتمع.

إلا أن كثيراً منا أو بعضنا يعتبر تفسير التراث ملكاً خاصة به، لذلك يريد أن يسجن الجميع في قفص باسم التراث محاط بسياج من جهله.

arabstoday

GMT 08:19 2024 الجمعة ,24 أيار / مايو

«شرق 12»... تعددت الحكايات والحقيقة واحدة!

GMT 08:16 2024 الجمعة ,24 أيار / مايو

المحافظ في اللجنة

GMT 08:14 2024 الجمعة ,24 أيار / مايو

جائزة رباب حنفي

GMT 04:36 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

الهوس بالمرأة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحداثة المستعصية الحداثة المستعصية



الأميرة رجوة تتألق بفستان أحمر في أول صورة رسمية لحملها

عمان ـ العرب اليوم

GMT 18:07 2024 السبت ,01 حزيران / يونيو

الدول العربية وسطاء أم شركاء؟

GMT 12:00 2024 السبت ,01 حزيران / يونيو

رحيل الممثلة الروسية أناستاسيا زافوروتنيوك

GMT 07:13 2024 السبت ,01 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 5.9 درجات يضرب جنوب غربي الصين

GMT 00:52 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

إنقاذ غزة مهمةٌ تاريخيةٌ

GMT 00:59 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

كأنّ العراق يتأسّس من صفر ولا يتأسّس

GMT 00:10 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

الفيضانات تجتاح جنوب ألمانيا

GMT 08:09 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

افتتاح أول خط طيران عراقي سعودي مباشر

GMT 08:21 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab