يوم الجمعة الماضى تفاجأ كثيرون، باتفاق السعودية وإيران على استئناف العلاقات بينهما بوساطة صينية.
التقييم التالى عن أبرز الرابحين من هذه المصالحة يستند لفرضية أن البلدين سيتوقفان عن التدخل فى شئون بعضهما ، خصوصا التدخل الإيرانى فى مناطق التوتر مثل اليمن ولبنان وسوريا والخليج.
وإذا خلصت النوايا، ولم تحاول القوى الخاسرة عرقلة المصالحة فإن الرابح الأول سيكون شعوب المنطقة وشعبى البلدين. المصالحة تعنى أن تتفرغ الدولتان للتنمية وتحسين حياة مواطنيها بدلا من التوسع فى شراء الأسلحة التى تلتهم جزءا كبيرا من ميزانيتى الدولتين.
الكاسب الأكبر الثانى سيكون الشعب اليمنى لأنه من المنطقى أن تنعكس هذه المصالحة، على الحرب اليمنية باعتبار أن السعودية هى الدعم الأول والأكبر للشرعية اليمنية، وإيران هى الداعم الأول والأكبر لجماعة الحوثيين التى تسيطر على أجزاء مهمة من الأراضى اليمنية بما فيها العاصمة صنعاء.
لو أن هذه المصالحة ادت الي اتفاق حقيقى فى اليمن فستكون قد حققت إنجازا كبيرا.
الكاسب الثالث ستكون سوريا، فإيران هى الداعم الثانى بعد روسيا لحكومة الرئيس بشار الأسد ولديها قوات وميليشيات هناك، والسعودية ساندت فى بداية الأزمة السورية القوى المناوئة للحكومة، لكنها وبعد الزلزال الأخير لمحت إلى إمكانية عودة سوريا للجامعة العربية.
وبالتالى فإن هذه المصالحة قد تسرع من إمكانية عودة سوريا للجامعة، وبدء إنهاء المأساة السورية المستمرة منذ مارس ٢٠١١.
الكاسب الرابع سيكون لبنان، فإيران هى الداعم الأول والأكبر لحزب الله صاحب الكلمة العليا فى السياسة اللبنانية منذ اغتيال رفيق الحريرى عام ٢٠٠٦، والسعودية كانت المتضرر الأكبر من هذا الحادث باعتبارها الداعم الأكبر لآل الحريرى، ولسنة لبنان الذين تضرروا هم وغالبية الطائفة المسيحية من هيمنة حزب الله على القرار السياسى والأمنى. هذه المصالحة الأخيرة قد تساهم بقوة فى بدء حل المعضلة اللبنانية التى كانت آخر تجلياتها الشغور الرئاسى بعد نهاية فترة الرئيس ميشال عون ورفض السنة وغالبية الموارنة لمرشح حزب الله سليمان فرنجية، إضافة للمساهمة فى حل المشكلة الاقتصادية هناك والتى تفاقمت بشكل يصعب تخيله.
الكاسب الخامس سيكون العراق، لأن هذه المصالحة قد تلعب دورا فى التقريب بين القوى المدعومة من إيران التى صارت اللاعب الأكبر فى الساحة العراقية منذ الغزو الأمريكى عام ٢٠٠٢. وبقية القوى السياسية خصوصا السنة وبعض القوى الشيعية التى تريد أن يعود العراق فاعلا أساسيا فى المنطقة العربية بدلا من محاولات البعض جعله تابعا لإيران.
وللموضوعية فإن الحكومات العراقية الأخيرة خصوصا حكومتى مصطفى الكاظمى ومحمد شياع السودانى تحاول جاهدة الانفتاح على العالم العربى، ولعبتا دورا مهما فى الوساطة بين السعودية وإيران، لكن من المفارقات أن الأضواء كلها ذهبت للصين التى استضافت المفاوضات الأخيرة والتى أثمرت عن إعلان المصالحة من بكين وليس من بغداد أو العاصمة العمانية مسقط.
الكاسب السادس هو شعوب ودول الخليج التى عانت كثيرا من محاولات الهيمنة الإيرانية المتتالية، واضطر بعضها إلى طلب الدعم والحماية من قوى إقليمية ودولية مختلفة لمواجهة التهديدت الإيرانية.
المصالحة يفترض أن تقود لمصالحات أخرى كثيرة أهمها المصالحة الإيرانية مع الإمارات، ورغم استئناف العلاقات بين طهران وأبوظبى لكن المصالحة الأخيرة قد تنزع الفتيل المشتعل دوما على خلفية أزمات كثيرة أهمها احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاثة وهى طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى.
كما قد تساهم فى تحسين العلاقات المتوترة دوما مع البحرين، حيث كان لإيران دور كبير فى زعزعة الاستقرار بدعم بعض القوى الموالية لها، خصوصا بعد عام ٢٠١١، وهو الأمر الذى أدى لتدخل سعودى فاعل أوقف المخطط فى لحظة فاصلة.
وربما تؤدى هذه المصالحة إلى التسريع من عودة العلاقات بين مصر وإيران المقطوعة منذ قيام ثورة إيان عام ١٩٧٩، خصوصا أن أحد أسباب استمرار قطع العلاقات كان الاعتراض المصرى على التدخل الإيرانى فى شئون دول الخليج.
وبالطبع فإن أحد أكبر الرابحين هو الصين، التى نجحت فى إنجاز هذه المصالحة مدشنة بداية دور عالمى فاعل لها فى منطقة كانت حكرا على الولايات المتحدة وقبلها بريطانيا، ولهذا الموضوع نقاش لاحق. أما الخاسرون من المصالحة فيستحقون مقالا مستقلا إن شاء الله.