بقلم - عماد الدين حسين
نهاية الأسبوع الماضى شهدت المنطقة ثلاثة أحداث مهمة على المستوى العربى والإقليمى.
الأول هو زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثان لمصر لمدة يومين انتهت أمس السبت، وهى الزيارة الرسمية الأولى من نوعها منذ تولى أمير قطر الحكم قبل ثورة ٣٠ يونية ٢٠١٣ فى مصر، علما بأنه زار شرم الشيخ فى ٢٠١٥ للمشاركة فى القمة العربية. أما الحدث الثانى فكان إعلان تركيا رفع مستوى التمثيل الدبلوماسى مع إسرائيل إلى درجة السفير بدلًا من قائم بالأعمال، بعد أن تحسنت علاقات البلدين بصورة واضحة. والحدث الثالث هو زيارة ولى العهد السعودى محمد بن سلمان لتركيا بعد زيارته لكل من مصر والأردن نهاية الأسبوع الماضى.
والسؤال: ما هو العنوان الرئيسى الذى يربط هذه الأخبار أو الأحداث الثلاثة؟!
الإجابة من وجهة نظرى هى أن المنطقة تطوى جانبا كبيرا من المواقف السياسية التى أعقبت بدايات الربيع العربى خصوصا فى الفترة من أوائل٢٠١١، وحتى منتصف ٢٠١٣.
أما العنوان الثانى فهو إعادة التأكيد على أن السياسة لا تعرف المواقف الثابتة والجامدة، بل هى متغيرة باستمرار طبقا للمصالح، لكن هذا التغير يصيب بعض الناس بالدوار والارتباك وأحيانا الشلل!!!
لو أنك قلت للناس فى المنطقة العربية قبل عامين أو ثلاثة إن حاكم قطر سيزور مصر، أو أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان سيزور كلا من الإمارات والسعودية ويتودد إلى مصر من أجل إعادة العلاقات، ويستقبل الرئيس الإسرائيلى إسحاق هيرتزوج فى أنقرة، ويرفع درجة العلاقات مع تل أبيب إلى درجة السفير، وينسى عمليا كل تعهداته عن دعم حماس وفلسطين، أو أنه سوف يستقبل ولى العهد السعودى فى مقر حكمه ــ فربما كان يتهمك هؤلاء الناس بالجنون، خصوصا فى السنوات التى أعقبت ثورة ٣٠ يونية ٢٠١٣ فى مصر، أو بعد عام ٢٠١٧، حينما قررت مصر والسعودية والإمارات والبحرين قطع العلاقات مع قطر على جميع المستويات بما فيها إغلاق المجال الجوى.
ثم زادت الأمور تدهورا بعد مقتل الكاتب الصحفى جمال خاشقجى فى مقر قنصلية بلاده فى إسطنبول، ومحاولات أردوغان المستميتة لتأليب المجتمع الدولى ضد محمد بن سلمان.
لكن ما حدث فى الأيام والأسابيع والشهور الأخيرة منذ قمة مجلس التعاون لدول الخليج فى 5 يناير الماضى بمحافظة العلا السعودية، يؤكد حقيقة واحدة، وهى أن ما قد يبدو مستحيلا فى عالم السياسة اليوم، قد يتغير إلى النقيض غدا، وبالتالى علينا ألا نستبعد حدوث أى شىء مهما بلغت درجة غرابته، وفى هذه القمة أعادت السعودية والإمارات والبحرين ومصر العلاقات مع قطر التى تعهدت بتغيير سياستها الداعمة لجماعة الإخوان.
وفى الأعوام الأخيرة كان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يرفع صوته عاليا منددا بإسرائيل وسياساتها ضد الفلسطينيين، لكن الكثير من المسئولين الإسرائيليين كانوا يقولون: «لا يهمنا ما يقوله أردوغان أمام ميكروفونات وشاشات الإعلام، ولكن ما يهمنا هو أن حجم التبادل التجارى ارتفع فى العامين الأخيرين فقط بنسبة ٢٠٪ ليصل إلى ٨ مليارات دولار»، وهذا الرقم على ذمة وكالة الأناضول التركية.
يحسب لمصر أنها لم تغير سياساتها ومواقفها الأساسية عربيا واقليميا منذ ٣٠ يونية ٢٠١٣، خصوصا فيما يتعلق بالموقف من التنظيمات الدينية المتطرفة، والتى تورط معظمها فى عمليات إرهابية وتخريبية، واستهدف العديد من ضباط وجنود القوات المسلحة والشرطة ورجال القضاء. ويحسب للسياسة المصرية أن غالبية خصومها ومنافسيها هم الذين غيروا العديد من مواقفهم، التى رفعوها طوال تلك الفترة، بعد أن اتضح لهم إما خطأ مواقفهم، وإما فشلهم فيما كانوا يعتقدون أنهم قادرون على تحقيقه.
نعود إلى ما بدأنا به وهو أن كثيرين من المواطنين العرب قد يصابون بنوع من التشوش والارتباك حينما يطالعون التطورات الأخيرة، وهم الذين اعتقدوا أن خصوم الأمس لا يمكن أن يصبحوا أصدقاء اليوم. لكن وإذا كان العديد من الإعلاميين قد أصابته هذه الحالة فمن الطبيعى أن نعذر المواطنين العاديين، ويظل الدرس الأساسى الذى ينبغى أن يدركه الجميع هو أن السياسة متغيرة، ولا توجد بها صداقات أو عداوات دائمة بل مصالح دائمة.