بقلم: عماد الدين حسين
ما الذى يحتاجه الإعلام العربى فى المرحلة المقبلة؟
خطر هذا السؤال على ذهنى يوم الثلاثاء قبل الماضى، حينما لبيت دعوة الأستاذ كرم جبر رئيس المجلس الأعلى للإعلام لحضور اللقاء مع الوفد الإعلامى السعودى الذى ضم رؤساء تحرير الصحف وكبار الإعلاميين السعوديين، حيث التقوا مع نظرائهم المصريين فى مقر المجلس بالدور التاسع فى مبنى ماسبيرو.
وبعده بيومين بدأ وفد إعلامى إماراتى كبير زيارة لمصر برئاسة منى المرى رئيس نادى دبى للصحافة ومعها كبار مسئولى الإعلام فى دبى، حيث التقوا بالعديد من كبار المسئولين وزاروا بعض المؤسسات الصحفية وقابلوا قياداتها وكوادرها.
حينما التقى الإعلاميون المصريون مع زملائهم السعوديين تحدث الجميع تقريبا فى كلمات قصيرة سريعة، تضمنت بطبيعة الحال عبارات الترحيب والمجاملة المعتادة.
الجميع تحدث بعبارات عن بلده الثانى سواء السعودية أو مصر، وعن ضرورة التكامل والتنسيق الإعلامى بين البلدين.
وفى اليوم التالى وقع كل من كرم جبر والدكتور ماجد القصبى وزير التجارة والإعلام السعودى اتفاقية البرنامج التنفيذى للتعاون الإعلامى بين البلدين فى جميع المجالات الإعلامية وضرورة تبادل المحتوى والخبرات ومكافحة الشائعات وتنسيق المواقف فى مختلف المجالات إقليميا ودوليا. وأظن أن شيئا مماثلا تم فى اللقاءات التى جمعت الوفد الإعلامى الإماراتى الكبير مع رؤساء تحرير وكبار مسئولى الإعلام المصرى إضافة بالطبع إلى شرح الشكل الجديد لجائزة دبى للصحافة كى تنفتح على كل تطورات الإعلام الجديد.
بالطبع ما حدث جيد جدا، وكل لقاء عربى ــ عربى يفترض أن يسهم فى تعزيز العمل العربى المشترك، خصوصا أن الإعلام فى الدول الثلاثة مصر والسعودية والإمارات يمثل مكانة مميزة فى الإعلام العربى عموما.
لكن السؤال الجوهرى من وجهة نظرى هو: كيف يمكن لهذا الإعلام أن يكون مؤثرا بالفعل، وقادرا على التأثير فى الجماهير العربية؟!
حينما جاء دورى فى الكلام خلال اللقاء مع الوفد الإعلامى السعودى قلت: «إذا كنا نريد تطويرا حقيقيا فى الإعلام المصرى أو السعودى أو العربى عموما، فإننى أرى أن المدخل الأساسى لهذا التطوير يبدأ أساسا من تنوع المحتوى وهامش معقول من الحريات المسئولة والمنضبطة.
هذه هى الفكرة الرئيسية التى تحدثت فيها ورأيى الواضح أنه إذا توافر تنوع المحتوى وهامش حريات حقيقى فوقتها يمكن الحديث عن بقية العوامل.
التنسيق والتعاون والتبادل المشترك بين مصر والسعودية أو مصر والإمارات أو بين أى دولتين عربيتين أمور مهمة جدا ومطلوبة، ولكنها بمفردها من دون هامش الحريات والتنوع لن تقود إلى تطور واختراق وتقدم حقيقى للإعلام.
قد يكون للسعودية منصات إعلامية متميزة مثل شبكة «MBC» وأذرعها الإخبارية «العربية» و«الحدث»
و«الشرق» و«إندبندنت عربية» وللإمارات شبكة «سكاى نيوز عربية» ومنصات رقمية مختلفة، لكن إذا تحدثنا عن الإعلام التقليدى فهناك مشكلة حقيقية تواجه هذا النوع من الإعلام فى غالبية الدول العربية تقريبا، والسبب الأساسى انعدام أو قلة الحريات وبالتالى انعدام التنافس وتنوع المحتوى والنتيجة أن التأثير الحقيقى لمعظم وسائل الإعلام التقليدية العربية يتراجع، بل إن عدد المتابعين لبعض صفحات شخصيات عربية أكبر من إجمالى توزيع كل الصحف العربية المطبوعة مجتمعة!!.
ولأننى أصنف نفسى واقعيا فلا أطالب بالحريات المنفلتة للإعلام، لأن «المال الحرام» يمكنه أن يخترق العديد من المنصات، وقد رأينا أمثلة على ذلك منذ عام ٢٠١١ وحتى الآن.
لكن كل ما أتمناه أن تدرك الحكومات العربية أنه من دون حريات معقولة وإعلام قوى وجذاب فإن هذه الحكومات ستكون هى الخاسر الأكبر وليس فقط وسائل الإعلام والعاملون فيها.
الإعلام القوى هو الذى يمكنه أن يصل للناس ويؤثر فيهم وينقل لهم الحقائق أولا بأول ويرد على الشائعات والأكاذيب والافتراءات وهو الذى يحمى الدولة الوطنية إذا تعرضت لمشاكل أو أزمات. والعكس صحيح تماما.