بقلم: عماد الدين حسين
بالأمس تحدثت عن الجانب الإيجابى لثورة يوليو، وقلت بوضوح إنها كانت ثورة حتمية، وحققت تغييرات عميقة فى المجتمع المصرى بصورة إيجابية، خصوصا فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية ومجانية التعليم والعلاج ومساعدة حركات التحرر الوطنى عربيا وإفريقيا والتصدى للاستعمار والأحلاف الأجنبية وإقامة السد العالى وبناء المصانع الكبرى.
أقول هذه المقدمة الواضحة خصيصا لضعاف النفوس الذين لا يقرأون السطور بصورة كاملة، واجتزأوا الفقرات والعبارات، وبالتالى يعممون مواقف خاطئة وناقصة ومبتورة.
ولأنها ثورة عظيمة فقد كانت أخطاؤها عظيمة أيضا، وللأسف ما نزال نعانى من هذه الأخطاء حتى هذه اللحظة ليس فقط فى مصر ولكن فى كل المنطقة العربية.
كان منطقيا أن تلغى الثورة فى بداياتها الأحزاب وتؤمم العمل السياسى، حتى تقف الدولة الجديدة على أقدامها، لكن هذا القرار الذى يفترض أن يكون مؤقتا استمر، والنتيجة هى سيادة فلسفة الصوت الواحد، ما أدى فى النهاية إلى الثغرة الكبرى، وهزيمة يونيو ١٩٦٧.
الصوت الواحد أدى أيضا إلى غياب ثقافة المساءلة والمحاسبة، وبالتالى عدم كشف الأخطاء التى بدأت صغيرة ثم تحولت إلى خطايا كبرى.
فى ظنى الشخصى أن أكثر شخص انتقد ثورة يوليو كان للمفارقة الكبرى هو جمال عبدالناصر نفسه، فالرجل وبعد مظاهرات 9 و10 يونيه التى طالبته بعدم التنحى، وحينما شاهد النتيجة الكارثية بعد هزيمة ١٩٦٧ أجرى عدة اجتماعات مهمة سواء فى مجلس الوزراء أو فى اللجنة العليا للاتحاد الاشتراكى «التنظيم الحاكم وقتها»، وجرت نقاشات فى غاية الأهمية، قال فى ختامها عبدالناصر بحسب العديد من المصادر، ومنها الأوراق والمحاضر الرسمية التى نشرتها الدكتورة هدى جمال عبدالناصر: «النظام الحالى استنفد مداه ولابد من نظام جديد، ولا أريد معارضة ممسوخة، وأنا ضد نظام الحزب الواحد لأنه يؤدى إلى قيام ديكتاتورية مجموعة معينة من الأفراد، ولابد من تغيير النظام لنظام جديد بحيث لا يسمح لشخص أو شلة غير واعية أو جاهلة سياسيا أن تحكم البلد الذى أعطانا ثقته المطلقة بلا حدود ولابد أن يكون النظام الجديد مفتوحا وأن تكون هناك معارضة وأن نفتح الباب للجرائد أن تكتب بالمفتوح لأننى أعتقد أن الطهارة الثورية بعد ١٥ عاما من الثورة أصيبت كثيرا، وحتى الوحدة الفكرية بيننا أصبحت غير موجودة».
وهناك من يقول إن عبدالناصر خلال هذه الاجتماعات قال إنه لن يستغرب إذا خرج الشعب المصرى ليضرب المسئولين بالأحذية بعد هذه الهزيمة.
وفى تقدير الكاتب الصحفى الكبير عبدالله السناوى فإن عبدالناصر ثار على نظامه خلال هذه الاجتماعات المهمة جدا.
خلال هذه الاجتماعات طرحت أفكار كثيرة عن كيفية التغيير والتحول لنظام مفتوح ديمقراطى لكن القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول محمد فوزى قال إن هذه المناقشات قد تؤثر على معركة الاستنزاف التى بدأت مصر تخوضها لاسترداد الأرض والكرامة، وبالتالى تم ترجيح الرأى القائل بتأجيل الانفتاح إلى ما بعد إزالة آثار العدوان.
فضلت أن أستشهد فقط بكلام عبدالناصر فى نقد نظامه وليس بكلام خصومه وأعدائه حتى يدرك الجميع أن عبدالناصر نفسه أدرك فى هذه اللحظة عمق وخطورة النهاية التى وصلت إليها الثورة ونظامه ومصر بأكلمها وربما المنطقة العربية التى كان قائدها بلا منازع.
مرة أخرى غياب التعددية والمساءلة والرقابة هى آفة الآفات فى أى نظام سياسى سواء كان مغلقا أو مفتوحا، اشتراكيا أو رأسماليا، أو ما بينهما.
لو أن عبدالناصر ونظامه أجرى هذه المراجعة فى أى وقت بعد الانتصار السياسى والهزيمة العسكرية فى حرب السويس عام ١٩٥٦ أو فى أى لحظة قبل هزيمة يونيه ما انهار هذا النظام ولربما كرر تجربة كوريا الجنوبية التى كانت قريبة الشبه منا اقتصاديا ولكنها أصبحت الآن واحدة من أقوى ٢٠ اقتصادا فى العالم.
مرة أخرى ثورة يوليو حققت العديد من الإنجازات الاقتصادية والثقافية وأنجزت تحولات كبرى فى المجتمع المصرى والعربى، لكن سلبياتها وجهت إليها ضربات قاتلة وبالتالى فإن الخلاصة التى يجب أن يصل إليها كل عاقل أنه ومع غياب التعددية والمساءلة والمحاسبة والمراقبة وشيوع الحريات فإن أى نظام سياسى قد يسقط مهما كان النوايا طيبة لأن الانغلاق والتحجر كفيل بتحويل الأنفلونزا إلى سرطان خبيث.
وبعد عرض الجوانب الإيجابية والسلبية للثورة، يحق علينا جميعا أن ننظر إلى الأمام، ونتحدث عما يفترض أن يشغلنا ويجعلنا نتقدم للأمام.