بقلم : عماد الدين حسين
ماذا تريد الدول الكبرى فى المنطقة والعالم من سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد؟!
الإجابة عن هذا السؤال هى التى ستحدد شكل سوريا الجديدة بل جزءا كبيرا من مستقبلها، إضافة إلى دور شعبها بطبيعة الحال.
يمكن القول إن القوى المؤثرة أو التى تحاول أن تكون مؤثرة فى المشهد السورى الحالى تتقاطع مصالحها وربما تتصادم وأحيانًا قليلة تتوافق. ومن يتابع المشهد السورى فسوف يلاحظ توافد وتقاطر العديد من مسئولى الدول الإقليمية والدولية على دمشق.
وفى السطور التالية رصد لأهم هذه القوى وأهدافها.
اللاعب الأكثر تأثيرًا فى المشهد الآن هو تركيا فهى الداعم الأكبر للميليشيات والتنظيمات التى سيطرت على سوريا، خصوصًا «هيئة تحرير الشام» التى يرأسها أحمد الشرع أو أبومحمد الجولانى سابقًا. الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب علق على ما حدث بقوله فى «١٦ ديسمبر الماضى»: تركيا نفذت عملية استيلاء غير ودية على سوريا، وهى التى ستمتلك مفتاح التحكم بمجريات الأحداث هناك.
والمتوقع أن تسعى تركيا بكل الطرق لتكون اللاعب الأساسى فى سوريا، وأهدافها الأساسية أن يظل النظام مواليًا لها، وأن يتم القضاء على الطموحات الكردية المتمركزة على حدودها الجنوبية، وأيضا أن تعيد السوريين المقيمين فيها للتخلص من تأثيراتهم الاقتصادية وانتقادات المعارضة .
واقتصاديا تريد أنقرة أن تتحول سوريا بأكملها إلى سوق لمنتجاتها، الأهم أن توقع معها سوريا الجديدة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، على غرار ما حدث مع حكومة الميليشيات فى ليبيا. وإذا حدث ذلك، فهو يعنى أن تتحول تركيا إلى اللاعب الأكثر تأثيرًا فى مياه شرق البحر المتوسط، رغم أنها لا تمتلك الكثير من اكتشافات الطاقة خصوصًا الغاز هناك، وحدوث ذلك سيؤثر على الموقف القبرصى واليونانى.
اللاعب الثانى والأكثر استفادة من سقوط الأسد هو إسرائيل، التى استغلت الأحداث ودمرت غالبية القدرات العسكرية للدولة السورية، وحققت أهدافًا استراتيجية لم تحققها طوال عقود، مثل احتلال المزيد من الأراضى السورية خصوصًا جبل الشيخ والمنطقة العازلة.
هى فعلت ذلك إما للاستمرار فى احتلال الأرض الجديدة، لتوسيع مساحتها كمال قال ترامب، أو استغلال هذه الأرض للمقايضة عليها فى دفع النظام الجديد على توقيع اتفاق تطبيع سيكون أقرب إلى الاستسلام.
اللاعب الثالث الأكثر تأثيرًا هو الولايات المتحدة، ورغم أنها كانت تصنف «هيئة تحرير الشام» باعتبارها إرهابية فإنها كانت تتعاون معها، ثم تواصلت مع النظام الجديد، وزار وفد دبلوماسى أمريكى كبير دمشق، والتقى الشرع، وألغى قرار مطاردته والمكافأة المرصودة للقبض عليه، وهى عشرة ملايين دولار.
الأهداف الأساسية لأمريكا إبعاد وإنهاء نفوذ روسيا وإيران هناك، وأن تتحول سوريا إلى دولة حليفة أو تابعة، وألا تتصادم مع إسرائيل، مع مطالب هامشية أخرى، مثل احترام الأقليات خصوصًا الأكراد وحقوق الإنسان، ويمكن دمج الاتحاد الأوروبى أيضًا مع الولايات المتحدة فى هذه المطالب، وكان واضحًا أن الوفد الأوروبى الذى زار دمشق اشترط عليهم إبعاد النفوذ الروسى الإيرانى لإقامة علاقات متينة معه.
اللاعب الرابع، هو إيران، وقد تعرضت هى وحزب الله اللبنانى لضربة شديدة بسقوط الأسد، تمثلت فى خسارة النفوذ ووقف الإمدادات الإيرانية للبنان، وكذلك توجيه ضربة قوية لما يسمى «محور المقاومة»، وأغلب الظن أن إيران لن تستسلم لذلك، وستحاول بكل الطرق «التنغيص والتنكيد» على المنتصرين الجدد فى سوريا.
اللاعب الخامس هو الدول العربية المؤثرة، التى اجتمعت فى العقبة الأردنية ووجهت مجموعة من الشروط الأساسية للتعاون مع الإدارة الجديدة، لكن الذى حدث أن غالبية الدول تحركت بعد ذلك بشكل فردى، باستثناء مجلس التعاون الخليجى الذى أرسل وفدًا، وكان ملفتًا للنظر أيضًا أن أول تحرك سورى خارجى لوفد كبير من الإدراة الجديدة كان إلى السعودية، وشمل وزيرى الخارجية والدفاع ورئيس جهاز المخابرات، وأعلنت السعودية أنها ستكثف المساعدات لسوريا. والمعلوم أن الرياض يهمها كثيرًا اختفاء أو تراجع النفوذ الإيرانى فى كل من سوريا ولبنان.
نتمنى أن يكون هناك تحرك عربى جماعى قدر الإمكان للتأثير فى الأحداث والتطورات السورية حفاظًا على عروبة سوريا واستقرارها وعلى الأمن القومى العربى عمومًا.
لكن من المحزن بطبيعة الحال، أن غالبية الدول العربية تتصرف بشكل فردى فى العديد من القضايا العربية المؤثرة، وليس فى سوريا فقط.
ختامًا ومن الطبيعى أن كل طرف يريد أن تكون سوريا الجديدة على هواه ومتماثلة مع سياساته وأفكاره، والسؤال هل هناك تصور عربى موحد للتعامل مع سوريا الجديدة؟