بقلم : سمير عطا الله
كان مشغله (أو فبركته) ملحقاً بمنزله، على الطريق العام، بعد مدخل القرية بقليل. كم كانت مساحة المشغل؟ لا أدري. لا بد أنها ضئيلة، لأنه كان دائماً يعمل في نصفها الخارجي، هو وجميع آلات النجارة ودق المسامير وتجميع البراغي.
وعلى جدار الجزء الداخلي من المشغل، علق المعلم يوسف صورة كبيرة الحجم، بالألوان، للجنرال شارل ديغول، بالبذلة العسكرية الأنيقة، والقبة التي يزينها شعار فرنسا الحرة.
كان المعلم يوسف يقول لكل من يسأله، إنه ليس منحازاً سياسياً لأحد، وصورة ديغول باقية هناك من يوم مرّ في المنطقة مع جيوشه في طريقه إلى النصر. يجب أن تسمع رنة «النصر» لكي تدرك أن المعلم يوسف حريص على ذكر ديغول حرصه على «القدّوم» و«المهدّة» و«المعول»، وجميع أدوات المشغل الأخرى.
ماذا تعني بذلك؟ ماذا يعمل المعلم يوسف على وجه الضبط؟ ألم تبلغك جنابك، القاعدة الذهبية في حياة القرى: «على الرجل أن يختص بحرفة واحدة، وأن يلم بجميع المهن» وإلا كيف يمكن لفرد أن يتدبر معيشته وحياة عائلته في قرية من ثلاثين بيتاً؟
على نحو ما، كان في كل منزل مشغل، أو شيء منه. وفي كل مشغل، عدة الشغل كاملة: الفأس، والمنجل، والإزميل وسواها. هذه حال الأهالي جميعاً على وجه التقريب. لكن المعلم يوسف مقدماً بين العاملين، وسوف يوسع صناعته إلى القرى المجاورة. يصنع الأبواب والشبابيك، ويعود إلى المنزل منهكاً، لا جلد له على رد التحيات وتبادل الرسميات؛ ولذلك أعطى الانطباع بأنه «ناشف الوجه»، وهذه الصفة في القرى أشبه باللعنة، أو الشتيمة. ويتشاءم أهل الضيعة من «الوجه الناشف»، والمرور تحت سلّم، ووقوع يوم الجمعة في الثالث عشر من أي شهر، أي عام، سواء كان التقويم غربياً أو شرقياً. ويتفاءلون بمواليد برج الدلو حتى لو كان المولود بنتاً؛ لأن الدلو بعلامة المياه، والمياه نعمة ولو فاضت، أو طافت، أو غاضت. والحمد لله فإن قريتنا مليئة بالجداول والسواقي والينابيع والعيون. ولذلك كتبت التمائم، وعلقّت الخرزات الزرق، في كل مكان.
وحده المعلم يوسف لم يكن يؤخذ بما يسميه «الخرافات»، ولم يعلق سوى صورة ديغول.