بقلم عماد الدين حسين
حتى يدرك عموم الناس ما معنى وخطورة التغيرات المناخية، فربما كان من الأسهل تبسيط الأمر فى أرقام وبيانات ومعلومات بدلا من الاقتصار فقط على مصطلحات قد تكون غير مفهومة للبعض، خصوصا أن مدينة شرم الشيخ تستضيف هذه الأيام القمة المناخية العالمية أو «كوب ٢٧» التى تحضرها ١٩٧ دولة من أجل مناقشة التداعيات الخطيرة لتغيرات المناخ على سلامة هذا كوكب الأرض.
المؤتمر هو قمة سنوية تحضرها هذا العام ١٩٧ دولة لمناقشة تغير المناخ وهو جزء من اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخى، التى وقعتها معظم دول العالم عام ١٩٩٢ بهدف الحد من تأثير النشاط البشرى على المناخ، ويتم اختيار الدولة المستضيفة للمؤتمر وفقا لنظام التناوب بين القارات المختلفة، ووقع الاختيار على مصر باعتبارها الدولة الأفريقية الوحيدة التى أبدت رغبتها فى استضافته.
المعلومة الأساسية الأولى هى أن المطلوب من العالم باختصار ألا تزيد درجة حرارة الكوكب عن ١٫٥ درجة مئوية عن عصر ما قبل الصناعة بحلول 2050، حتى يتم السيطرة على التغيرات المناخية ووقف تفاقمها. علما أن العالم شهد ارتفاعا فى درجة الحرارة بما يفوق هذه النسبة.
هذه النسبة هى ما توافق عليها الجميع فى العديد من مؤتمرات المناخ طوال السنوات السابقة لكن للأسف فإن غالبية البلدان خصوصا الكبرى والأكثر تسببا فى ظاهرة الاحتباس الحرارى لم تلتزم بذلك على أرض الواقع والتقديرات الدولية تقول إن الجهود الوطنية لكل دولة من أجل التقليل من الانبعاثات والتخفيف من تغير المناخ ما زالت قليلة، وستؤدى إلى ارتفاع فى درجة حرارة الكوكب بمقدار ٢٫٥ درجة، هذا المستوى يصفه علماء الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بأنه كارثى.
هذه الهيئة الدولية أشارت فى عام ٢٠١٩ إلى أنه لكى نحد من ظاهرة الاحتباس الحرارى فينبغى خفض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون بنسبة ٤٣٪ بحلول عام ٢٠٣٠، أى بعد حوالى ٧ سنوات من الآن مقارنة بمستويات ٢٠١٠، لكن الواقع على الأرض يقول إنه بدلا من الخفض فقد زادت الانبعاثات بنسبة ١٠٫٦٪.
الخبر الإيجابى أن هذا التقرير أظهر تحسنا نسبيا مقارنة بتقرير العام الماضى، حيث بلغت الزيادة فيه ١٣٫٧٪، لكن الخبر الأسوأ طبقا للعلماء والخبراء هو أن العالم لا يزال بعيدا عن نطاق وسرعة خفض الانبعاثات المطلوبة لوضع الكوكب على المسار الصحيح نحو عالم تقل درجة حرارته ١٫٥ درجة مئوية.
من المعروف أن محطات توليد الطاقة التى تعمل بالوقود الأحفورى أى الغاز والفحم وكل مشتقات البترول هى سبب رئيسى لزيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى. وفى مؤتمر قمة المناخ كوب ٢٦ فى جلاسجو الاسكتلندية وافقت جميع الدول على إعادة النظر فى خططها المناخية، لكن الأرقام تقول إن ٢٤ دولة فقط من بين ١٣٩ هى من قدمت خططا محدثة إلى الأمم المتحدة. هذا الأمر يراه المعنيون بأنه مخيب للآمال، لكن الذين قدموا الخطط والتزموا بها يمثلون «بصيص أمل» للمستقبل القاتم.
تقييم الأمم المتحدة يقول إن هناك ٦٢ دولة تمثل ٩٣٪ من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، و٤٧٪ من سكان العالم و٦٩٪ من إجمالى استهلاك الطاقة لديهم خطط موضع التنفيذ. هو أمر تقيمه الأمم المتحدة بأنه اتجاه إيجابى نحو المستقبل، لكن بطبيعة الحال فإن الفيصل الأساسى هو التطبيق على الأرض، وليس فقط مجرد وضع الخطط وتقديمها.
الأمم المتحدة رحبت بهذا التطور: لكن الخبراء يقولون إن العديد من أهداف «الصافى الصفرى» تظل غير مؤكدة والمصطلح الأخير يعنى الوصول إلى «صفر كربون» ووقتها يمكن القول فقط إن التغيرات المناخية التى تهدد العالم كله صارت أمرا من الماضى.
فى قمة الأرض بباريس عام ٢٠١٥ تعهدت الدول الغنية بأن تدفع ١٠٠ مليار دولار سنويا، للبلدان النامية من أجل مواجهة التغيرات المناخية والتكيف معها، لكن غالبية الدول لم تلتزم بذلك. والأهم أن عدم وفاء الدول الكبرى بهذه التعهدات قد يؤدى إلى مضاعفة نسبة الانبعاثات الضارة من الدول النامية البالغة حاليا ٣٪ علما أن القطاع الخاص العالمى تعهد فى «كوب 26» فى جلاسجو بضخ ١٣٠ مليار دولار لتمويل مشروعات تنموية تقوم على الاقتصاد الأخضر فى أفريقيا، لكن معظم هذه التعهدات لم تتحقق على أرض الواقع.