بقلم عماد الدين حسين
مساء الخميس الماضى، وعندما كنت أتصفح تطبيق «التيك توك» وجدت شخصا ينشر ما قال إنه مظاهرة احتجاجية ضد النظام فى محافظة الإسكندرية. على الفور اتصلت بزميلى محمد بصل مدير تحرير «بوابة الشروق» لأستفسر منه عن مدى صحة هذا الكلام، وهل وصلته أى أخبار جديدة من زملائنا المراسلين فى الإسكندرية بشأن أى حوادث غير طبيعية بالمحافظة.
محمد أجابنى فورا ومن دون نقاش أن هذا الفيديو مفبرك وبصورة رديئة، والسبب ببساطة إن المتظاهرين فى المشهد يلبسون ملابس صيفية «نص كم» فى حين أننا فى يوم ١٠ نوفمبر والطقس شديد البرودة فى الإسكندرية، ولا يعقل أن يخرج الناس للتظاهر ليلا بملابس صيفية.
لم أكن قد دققت فى الفيديو حينما رأيته للمرة الأولى، ولما عدت لمشاهدته من جديد استغربت أن تصل الفبركة والتزوير إلى هذا المستوى شديد الرداءة.
حينما استيقظت صباح الجمعة وأثناء تصفحى لمواقع التواصل الاجتماعى كانت هذه الفيديوهات المفبركة منتشرة بصورة جهنمية، فيديو مثلا لتجمعات شعبية قيل إنها فى السويس، والتعليق الصوتى يقول: «إن ثورة يناير بدأت من السويس وثورة ١١/١١ ستبدأ من هناك أيضا!!! فيديو آخر لمظاهرة قيل إنها فى شبرا لكن الصورة بعيدة جدا وملامح المتظاهرين غير موجودة ثم حديث عن مظاهرات فى الجيزة وبعض المحافظات.
ومن الواضح أن المفبركين فقدوا الحد الأدنى من الكفاءة اللازمة لمثل هذا النوع من الفيديوهات المضروبة.
أحد هذه الفيديوهات لحركة سير عادية فى ميدان التحرير وصاحبه يقول: «هذا هو ميدن التحرير» ولم يقل لنا ما الذى يحدث فى المكان، وما قيمة أن تفتح كاميرا الموبايل وأنت داخل سيارتك مارا بالميدان؟!!.
فيديو ثان لشخص يقول هذا هو ميدان الحصرى بمدينة ٦ أكتوبر، ولم يكن هناك أى شىء غير عادى لحركة الناس فى هذا الميدان المزدحم دائما.
وكان هناك أيضا فيديوهات كثيرة لكن يجمع بينها وجود أصوات مجهولة لتجمعات لا يبدو من ملامحها شىء، وأصوات مجهولة تقول لقد نزل المصريون إلى الشوارع.
ثم فيديوهات أخرى لأشخاص لا تبدو وجوههم بل أصواتهم فقط يحضون الناس على النزول للاحتجاج من دون أن تكون لديهم هم الجرأة كى ينزلوا.
فى يوم الجمعة شاهدت عشرات الفيديوهات المزيفة التى تزعم أن بعض المصريين نزلوا الشوارع للاحتجاج، وتبين أنها جميعا مفبركة. وتعود إلى أحداث قبل ٣ سنوات، أو أحداث وقعت بعد ٢٠١١، ٢٠١٣.
وهذه الفيديوهات تذكّرنا بما فعله الإرهابيون والمتطرفون من سرقة صور وفيديوهات وقعت فى سوريا والزعم بأنها وقعت فى مصر.
بطبيعة الحال يمكن بسهولة فهم كيف ولماذا فكر المزورون فى هذا السيناريو الساذج، هم أغلب الظن اعتقدوا أن ضخ الفيديوهات المزورة يمكن أن يشكل دافعا لبعض المترددين حتى ينزلوا لأن الناس اتخذت قرارا بعدم الاستجابة لدعوات النزول، وبالتالى فالمزورون راهنوا على أن بعض المواطنين، وحينما يشاهدون هذه الفيديوهات المضروبة سينزلون للشوارع ويحتكون بالشرطة وقد يسقط مصابون أو قتلى منهم برصاص الشرطة ثم تتطور الأمور للفوضى العارمة التى قد يجدون لأنفسهم فيها موطئ قدم!.
ما الذى أريد أن ألفت النظر إليه من كل ما سبق؟
الأمر ببساطة أن الداعين للتظاهر قد وصلت بهم السذاجة وعدم الاحتراف إلى مستوى غير مسبوق من انعدام الكفاءة، هذا من ناحية الشكل، لكن الأهم من ناحية المضمون أن المصريين آمنوا بأن الذين دعوا للتظاهر كذابون ومفبركون و«يرتكبون الجرائم التى يتهمون معارضيهم بها».
أما الأكثر أهمية فهو أن غالبية الشعب ورغم كل معاناته الاقتصادية والاجتماعية قد فقد الثقة فى هذه الجماعة وهذا موضوع يحتاج نقاشا لاحقا إن شاء الله.