ماذا تبقى من اتفاقية السلام السودانية

ماذا تبقى من اتفاقية السلام السودانية؟

ماذا تبقى من اتفاقية السلام السودانية؟

 العرب اليوم -

ماذا تبقى من اتفاقية السلام السودانية

بقلم - عثمان ميرغني

 

قرار الفريق عبد الفتاح البرهان قبل أيام بإعفاء اثنين من مسؤولي الحركات المسلحة في دارفور من منصبيهما الحكوميين، فتح النقاش والجدل مجدداً حول اتفاقية جوبا للسلام الموقعة بين الحكومة السودانية وعدد من الحركات المسلحة. فالاتفاقية التي كانت أصلاً موضع جدل منذ توقيعها في عام 2020، وضعتها الحرب الدائرة الآن تحت المجهر، وأثارت المزيد من الأسئلة حولها.

كثيرون رأوا أن الاتفاقية بدلاً من أن تسهم في تحقيق السلام، لا سيما في دارفور، فإنها وسعت دائرة الفوضى والمشاكل، وأدت لنقل النزاعات والصراعات إلى مناطق أخرى، وإلى ظهور المزيد من الحركات والكيانات المسلحة. آخرون رأوا فيها توزيعاً للمناصب والمكاسب، أكثر منها معالجة حقيقية لجذور مشاكل السودان، وإنهاء مسلسل الحروب. وقد أعطى عدد من قادة هذه الحركات منذ توقيع الاتفاقية، وعبْر عدد من المحطات والمواقف خلال السنوات المضطربة التي تلتها، حججاً قوية للمشككين في جدواها، ولمن يتهمونهم بأن همهم الأكبر ينصب على السلطة وصراع الكراسي.

الدكتور الهادي إدريس، رئيس حركة جيش تحرير السودان - المجلس الانتقالي، الذي أعفاه البرهان من منصبه في مجلس السيادة الانتقالي، شدد في بيانه الذي أعلن فيه رفضه للقرار على أن اختياره للمنصب تم بموجب اتفاقية جوبا، وأي مساس به يعني انهيار الاتفاقية. هذه الحجة استخدمها أيضاً وزير الثروة الحيوانية حافظ عبد النبي بعد إقالته؛ إذ قال إنه لا يعترف بالقرار؛ لأنه صادر من جهة فاقدة للشرعية الدستورية ومخالف لاتفاقية جوبا للسلام التي لوح بأنها «معرضة للانهيار».

الحقيقة أن اتفاقية جوبا أسقطتها عملياً الحركات المسلحة منذ أن انضمت أولاً إلى الانقلاب الذي أطاح بحكومة الدكتور عبد الله حمدوك في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ثم بموقفها من الحرب الدائرة اليوم. فإذا كانت قيادة هذه الحركات التقت في موقفها مع الانقلاب وآثرت الاحتفاظ بالمناصب والمكاسب، فإنها تفارقت إزاء الحرب بين من أعلنوا أنهم في الحياد، ومن اختاروا الانضمام إلى قوات «الدعم السريع» والقتال إلى جانبها ضد الجيش، أو من انحازوا إلى صف الجيش باعتبار أن المعركة الراهنة هي للدفاع عن السودان المهدد في وجوده ووحدته.

بالنسبة لحركات دارفور الموقعة على اتفاقية السلام، فإن مقعد الحياد ربما بدا لها مريحاً في البداية، بل مفيداً. أوضح تعبيرٍ عن ذلك جاء على لسان مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة «جيش تحرير السودان»، عندما قال بشأن وقوفهم على الحياد، إنهم «مرة مع دُوْل (أي هؤلاء) ومرة مع دُوْل»؛ بمعنى تارة مع الجيش وتارة مع «الدعم السريع». فهذا الحياد يلخص تفكيرهم القائم على أنهم يكسبون وهم يرون «خصومهم» في الجيش و«الدعم السريع» يدمران قدراتهما ويضعفان قوتيهما.

لكن مقعد الحياد لم يعد مريحاً عندما امتدت حرب الخرطوم إلى دارفور، وبدأت قوات «الدعم السريع» تتمدد، وسيطرت على حاميات للجيش ودخلت نيالا والجنينة وزالنجي. ومع هذا التمدد، بل قبله، كانت تحذيرات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية تتوالى بشأن ما يحدث في دارفور من مجازر وانتهاكات مريعة، وجهت الاتهامات فيها إلى قوات «الدعم السريع». وحذرت الأمم المتحدة من تكرار الأحداث والمذابح التي وصفت بالإبادة العرقية في مدينة الجنينة في يونيو (حزيران) الماضي، بينما عبرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن «قلقها البالغ» بعد التقارير التي تحدثت عن اختطاف النساء والفتيات واحتجازهن في «ظروف لا إنسانية تشبه العبودية»، يتعرضن فيها للاعتداءات الجنسية، وتزويجهن قسراً، واحتجازهن للحصول على فدية في المناطق التي تسيطر عليها قوات «الدعم السريع» في دارفور.

وبدأ كثيرون يتساءلون: من يمثل قادة هذه الحركات؟ ولمن يحتفظون بقواتهم إذا كانوا لا يدافعون عن الإقليم وأبنائه؟

فمناوي، وهو حاكم دارفور بمقتضى اتفاقية السلام، يقف متفرجاً على ما يحدث في الإقليم ولأهله، بينما والي شمال دارفور نمر عبد الرحمن يبث رسالة صوتية، وهو خارج الإقليم، يدعو فيها المواطنين للخروج من مدينة الفاشر؛ لضمان سلامتهم، انطلاقاً من التوقعات بأن المدينة ستكون ساحة مواجهات وشيكة بين الجيش وقوات «الدعم السريع» التي ترى المدينة باعتبارها آخر المواقع الكبيرة المهمة لإكمال سيطرتها على الإقليم.

ما يزيد موقف مناوي حرجاً أنه أقر بخطورة الوضع منذ أشهر عندما وصف في مقابلة أجريت معه في أغسطس (آب) الماضي، ما حدث من انتهاكات وفظائع في الجنينة ومناطق أخرى في دارفور بـ«الإبادة الجماعية والتطهير العرقي»، وعلى الرغم من ذلك لم تتحرك قواته وقوات الحركات المسلحة الدارفورية الأخرى لصد الهجمة عن أهلهم. وقفوا متفرجين ومدن الإقليم تستباح، وآلاف السكان ينزحون لينضموا إلى أكثر من ثلاثة ملايين أجبروا على الهروب نحو دول الجوار، وعلى وجه الخصوص نحو تشاد.

الحركات المسلحة الدارفورية تجد نفسها في موقف صعب اليوم، ولافتة الحياد لم تعد مقنعة، بل بات كثيرون يدعونها للقتال ما يعني عملياً انحيازها إلى الجيش. في المقابل هناك من يرى أن هذه الحركات أو بعضها قد تتحالف اختياراً أو اضطراراً مع قوات «الدعم السريع» إذا اتجهت الأمور نحو سلخ الإقليم وإعلان حكومة موازية فيه، في تكرار للنموذج الليبي في السودان. تقديري أن مثل هذا التحالف مستبعد، وإن حدث لأسباب وقتية أو انتهازية فإنه لن يصمد، وسيقذف بدارفور في أتون حرب طاحنة أبشع من كل دورات الحروب السابقة التي عرفتها. فدارفور ليست متجانسة في تركيبتها القبلية، وبين «الدعم السريع» وبعض حركات دارفور تاريخ من الشكوك والمعارك، إضافة إلى أن كثيرين من أهل دارفور لا يؤيدون انفصال الإقليم.

الحرب الراهنة عرّت كثيراً من المواقف، وكشفت عن العديد من مواقع الخلل التي لا بد من النظر فيها ومعالجتها، بعد أن يتوقف الرصاص، واتفاقية جوبا للسلام من ضمنها بالتأكيد.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا تبقى من اتفاقية السلام السودانية ماذا تبقى من اتفاقية السلام السودانية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
 العرب اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما
 العرب اليوم - رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
 العرب اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab