«يونيتامس» لن تحل للسودانيين أزمتهم

«يونيتامس» لن تحل للسودانيين أزمتهم!

«يونيتامس» لن تحل للسودانيين أزمتهم!

 العرب اليوم -

«يونيتامس» لن تحل للسودانيين أزمتهم

بقلم - عثمان ميرغني

كثير من الشواهد تؤكد أن النخب السودانية لم تتعلم شيئاً من تبعات خلافاتها التي عرقلت الثورة والفترة الانتقالية، ولا من الحرب المستعرة التي أحدثت دماراً غير مسبوق وآثاراً سيعاني منها السودان لسنوات طويلة مقبلة.

آخر هذه الشواهد يتمثل في الجدل الذي اندلع بسبب الخطابين اللذين دفع بهما الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السابق إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وإلى رئاسة مجلس الأمن باسم «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم) للمطالبة بالتمديد لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الفترة الانتقالية في السودان (يونيتامس). هذا الجدل يعد امتداداً للخلافات التي أحاطت بهذه البعثة منذ قرار مجلس الأمن بتشكيلها في أواخر عام 2020، وتواصل مع قدومها وبدء عملها رسمياً في بداية عام 2021، ولم يتوقف مع استقالة رئيسها فولكر بيريتس في سبتمبر (أيلول) الماضي بوصفها نتيجة لهذه الصراعات، وحتى طلب وزارة الخارجية السودانية قبل أسبوعين إنهاء مهمتها.

الخطابان لم يكونا من فراغ، بل جاءا في موقف مضاد لموقف الحكومة الأخير، وفي استباق لأي قرار من المجلس مع انتهاء التفويض الممنوح لمهمة البعثة الذي من المقرر أن ينتهي في الثالث من الشهر المقبل. أبعد من ذلك فإنهما يعكسان الخلاف المحتدم بين قوى الحرية والتغيير (قحت) التي تعمل الآن أيضاً تحت واجهة «تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية»، وبين الإسلاميين وقوى مدنية أخرى. فالأولى ترى أن «يونيتامس» لعبت دوراً مهماً في مجال تفويضها وأن الحاجة إليها «أضحت اليوم أكثر إلحاحاً في ظل انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وحرب الخامس عشر من أبريل (نيسان)»، بحسب ما جاء في خطابيها، بينما ترى الأطراف الأخرى أن البعثة الأممية تجاوزت تفويضها ولعبت دوراً في تأجيج الأزمة السياسية بانحيازها إلى طرف واحد، والمقصود هو قوى «قحت»، وأن أي تمديد لها لن يكون باباً للانفراجات، بل هو استمرار للأزمة، إن لم يكن زيادة تعقيداتها.

في ظل هذه المواقف المتضاربة، فإن الأمم المتحدة تجد نفسها في موقف لا تُحسد عليه، لأنها من ناحية لا تريد أن تبدو أنها تتخلى عن السودان في ظل هذه الحرب المستعرة وتداعياتها الإنسانية، لا سيما لأن هناك أطرافاً دولية من أميركا إلى الاتحاد الأوروبي إلى منظمات حقوقية وإنسانية تريد خطوات لتفعيل دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن في حماية المدنيين بسبب أعمال العنف والتجاوزات والانتهاكات وبشكل خاص في دارفور التي شهدت مذابح عرقية على أيدي قوات الدعم السريع. من الناحية الأخرى، تدرك المنظمة الدولية أن أي تمديد جديد للبعثة سيصطدم برفض الحكومة السودانية استمرارها، وأنه في ظل الخلافات الشديدة بين أطراف الأزمة فإن البعثة لا تستطيع تحقيق أي نجاح يذكر.

بغض النظر عن الموقف الذي سيتبناه مجلس الأمن، فإنني لا أرى أملاً لنجاح أي جهد دولي أو إقليمي في ظل الخلافات والصراعات الإقصائية والعدمية بين السودانيين، وعدم وجود بارقة أمل في أن تتجاوز الأطراف خلافاتها وتسمو فوق حسابات السياسة وصراعات السلطة من أجل إنقاذ بلدهم من أتون هذه الحرب، وهي حرب نتجت في الأساس من صراعاتهم هذه.

الأمم المتحدة ذاتها وكثير من الدول ما فتئت تذكّر السودانيين بأن الحل ليس بيدها وإنما بأيدي السودانيين أنفسهم الذين عليهم حلّ خلافاتهم والوصول إلى رؤية مشتركة للخروج ببلدهم من الأزمات التي عصفت به.

هذه هي الحقيقة التي يعجز الكثيرون عن استيعابها، ويفشلون في السعي الجاد من أجلها. فالسودانيون إن عجزوا عن حل أزمتهم، فإن هذا الحل لن يأتيهم من الخارج، والذين يحتاجون إلى دليل ما عليهم إلا النظر إلى تجارب دول الربيع العربي التي عانت أيضاً من تبعات الصراعات والفوضى والاحتراب. فسجل الأمم المتحدة في التدخل لحل الأزمات لم يكن مشجعاً من سوريا إلى ليبيا واليمن، ولم يكن مثمراً في السودان منذ قرار تشكيل بعثة «يونيتامس» في عام 2020 وحتى الطلب الذي قدمته وزارة الخارجية السودانية هذا الشهر وطلبت فيه إنهاءً فورياً لمهمة البعثة.

مكثت بعثة «يونيتامس» في السودان أكثر من عامين، نظمت خلال هذه الفترة عشرات الاجتماعات، شملت أحياناً وجوهاً غير معروفة، وواجهات لم يكن واضحاً أسباب مشاركتها حتى اختلط الحابل بالنابل وتعقّد المشهد مع كثرة الطباخين والساعين إلى دور وإلى قسمة في كعكة السلطة. من هذا المنطلق رأى كثيرون أن دور «يونيتامس» بتلك الطريقة وفي تلك الأجواء المشحونة، ربما أسهم في تعقيد الأمور، وزيادة تعقيدات الفترة الانتقالية وإطالة أمد خلافاتها، مثلما أن وجودها لم يمنع الحرب. وحتى لو قرر مجلس الأمن مواصلة عملها والتمديد لها عاماً آخر، فإن هذا لن يغير شيئاً في واقع الحال السودانية، وهو واقع مزرٍ بسبب النخب الفاشلة التي أضاعت البوصلة في خضم صراعاتها الإقصائية التي تصر على المضي فيها.

في خطابيها إلى غوتيريش ورئيس مجلس الأمن، قالت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية برئاسة حمدوك إنه لا توجد حكومة شرعية في السودان يحق لها طلب إنهاء تفويض بعثة «يونيتامس». الحقيقة أنه لا أحد يستطيع الآن أن يزعم أنه يملك تفويضاً يعطيه شرعية للحديث باسم السودانيين الذين سُلبت ثورتهم ودُمر بلدهم وقُذف بهم في معاناة لم يعرفوا مثيلها. و«يونيتامس» إن ذهبت أو بقيت، لن تحل مشكلة السودان، فالأزمة صناعة سودانية، وحلها لن يتأتى إلا إذا وجدوا أرضية للتوافق، من أجل الوطن، لا من أجل تقاسم الكراسي، أو الانفراد بها.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«يونيتامس» لن تحل للسودانيين أزمتهم «يونيتامس» لن تحل للسودانيين أزمتهم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
 العرب اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
 العرب اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab