المشهد العربى ومعاهدة وستفاليا

المشهد العربى.. ومعاهدة وستفاليا

المشهد العربى.. ومعاهدة وستفاليا

 العرب اليوم -

المشهد العربى ومعاهدة وستفاليا

مي عزام
بقلم : مي عزام

(1)

هل توجد أُمة غيرنا تعشق السير في دوائر مغلقة لا تغادرها؟، لا تتعلم من تجارب الآخرين وتصر على الخضوع لحروب لا أمل فيها ولا طائل منها والجميع فيها خاسر.. هل نحن أُمة تعيش زمنها أم تصر على أن تظل خارج التاريخ؟، لا تبحث عن طريق السلامة، لكن تختار طريق الندامة لغياب الوعى والتكالب على السلطة.. لماذا لا نقتنع بأن ملك المتسولين يظل متسولا في نظر الآخرين كما في الخفاء في نظر نفسه؟.

(2)

ما تعيشه أُمتنا في القرن الـ21 عاشته أوروبا قبلنا بأربعة قرون، الصراع والحروب المذهبية بين الكاثوليك والبروتستانت استمرت 30 عاما، تفاقم النزاع الدينى الذي بدأ في بوهيميا ليتحوَل إلى صراع بين الأوروبيين حول السيطرة المنفردة. خربت أوروبا بسبب الحروب وخسرت ثلث المتحاربين، ومع الوقت أدرك الجميع أنه لا منتصرا في هذه الحرب ونهايتها ستكون الإبادة المتبادلة.‏ اتّفق فرديناند الثالث الذي حكم الإمبراطورية الرومانية ولويس الثالث عشر ملك فرنسا وكريستينا ملكة السويد على وجوب عقد مؤتمر يجتمع فيه كل الأطراف للتفاوض حول شروط السلام في مقاطعة وستفاليا الألمانية. وبعد خمس سنوات من المباحثات كانت خلالها الحرب محتدمة،‏ توصل الفرقاء إلى اتفاق حول شروط السلام. معاهدة وستفاليا كانت نقطة تحول أنهت توقيعها سنة ١٦٤٨ حرب الثلاثين عاما، وأقرت شروط التعايش بين سيادات متعددة يحترم كل منها الآخر، فكانت مولد فكرة تعدد السيادات، ومن ثم الدول بصورتها الحديثة.‏

(3)

منطقتنا العربية تعانى من صراعات أثرت على مكانتها ورؤية العالم لها، سخر ترامب في عدة لقاءات من العراق واعتبره بلدا بلا سيادة، فهو مرتعا للفساد والنهب، وعليه فأرضه وسماؤه مستباحتان أمام القوات الأمريكية، ومن حق المنتصر (أمريكا) أن يحصل على بترول العراق كغنيمة حرب!.

تصريحات ترامب الفجة التي لا ينقصها الوقاحة في حق بلد عربى عريق شريك في صنع الحضارة المعاصرة، اكتوى بنيران الغزو الأمريكى، لم تكن لتمر مرور الكرام لوكان العراق والدول العربية المجاورة قوية ومتماسكة وتستطيع أن تدافع عن سيادتها دون عون خارجى.

هنرى كيسنجر عبر عن نفس المفهوم، لكن بحرفية الدبلوماسية، في كتابه «النظام العالمى.. تأملات حول طلائع الأمم ومسار التاريخ» الصادر عام 2014، تحدث عن منطقة الشرق الأوسط، واصفا حالها بقوله: «جزء كبير من مساحة العالم وكتلته السكانية بات على حافة الانزلاق إلى خارج النظام الدولى القائم على أساس كيانات الدولة، بكل ما في تلك العبارة من معنى، مع بقاء هذا الفراغ باسطا جناحه، يبقى الشرق الأوسط في قبضة مجابهة شبيهة بحروب أوروبا الدينية المنتمية إلى ما قبل وستفاليا، ولكنها أوسع، ثمة صراعات داخلية ودولية تتبادل التعزيز، يجرى تحويل الدين إلى سلاح في خدمة أغراض جيوسياسية، وحيثما تكون الدولة قادرة على الاحتفاظ بمرجعيتها، ترى هذه المرجعيات مبررة بضرورات البقاء، أما حيث تتفكك الدول، فإنها لا تلبث أن تصبح ميادين نزاع لقوى محيطة كثيرا ما يتم الإمساك بزمام السلطة فيها عبر إغفال كلى لرخاء الإنسان وكرامته».

(4)

يتغافل «كيسنجر» دور بلاده في فرض الفوضى وصناعتها في الشرق الأوسط، لكننا نتحمل العبء الأكبر من اللوم نتاج أفعالنا، بسبب رفض زعماء عرب تطوير أنظمة الحكم في بلادهم لتحقيق حياة كريمة للشعوب المتململة، تَكالُبَهم على السلطة جعلهم يوجهون السلاح لصدور شعوبهم بدلا من أعدائهم، سوء إدارة الحكم خفض المشتركات الوطنية لحساب المذهبية المنحرفة الجاهلة التي أدت لتفكيك الدول وسمحت بالتدخلات الخارجية.

(5)

العقلاء من الحكام العرب لديهم فرصة ذهبية لرفع راية السلام، فالشعوب العربية سأمت القتال والخراب وطوابير اللاجئين وجثث الضحايا. على الجامعة العربية أن تقوم بالدور الذي أُنشأت من أجله، وهو وحدة الصف العربى، وعلى مصر، بحكم مكانتها، أن تكون قدوة، وأن تمد يدها بالسلام دون قيد أو شرط لسائر الدول العربية، تأخرنا كثيرا، لكن أن تأتى متأخرا خيرا من ألا تأتى أبدا.

اجعلوا 2020 عام السلام العربى واستعادة الدول العربية سيادتها وكرامتها، فأنا لا أرغب في تسميتها وستفاليا العربية.

 

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المشهد العربى ومعاهدة وستفاليا المشهد العربى ومعاهدة وستفاليا



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab