القاتل «إليزا»

القاتل «إليزا»

القاتل «إليزا»

 العرب اليوم -

القاتل «إليزا»

بقلم - سوسن الأبطح

«بيار» هو اسم مستعار للمواطن البلجيكي الثلاثيني الذي انتحر قبل أيام، تحت تأثير حوارات دامت شهراً ونصف الشهر، مع روبوت المحادثة «إليزا»، وقد لجأ إليه بهدف إيجاد مخرج للاحتباس الحراري ومشاكل البيئة المتفاقمة، بعد أن أصابه اليأس من ذكاء البشر، وقدرتهم على إدراك الخطر. وصِفت هذه الحادثة المأساوية، من قبل إحدى وكالات الأنباء بأنها «فريدة من نوعها»، مع أن لا شيء يثبت ذلك. بيار قد لا يكون أولى ضحايا الذكاء الصناعي، وهو حتماً ليس آخرهم، إنما قصته مع الروبوت نموذجية، لأنها تجمع كل عناصر التراجيديا العصرية التي تنتج عن التقاء الاضطراب النفسي الداخلي، بالتحولات الخارجية المجتمعية العاصفة.
الضحية بيار باحث في مجال الصحة وعلى قدر جيد من العلم، يعيش حياة عائلية مستقرة مع زوجته وولديه، لكنه يشعر بالقلق واليأس، والسوداوية، بعد أن صرف تركيزه إلى قضايا المناخ، ودخل في عزلة، معتقداً أنه لم يبق له من منقذ سوى إليزا الذكية، التي أظهرت حمقاً شديداً، في النهاية. فالرجل يعاني حتماً، من مشاكل نفسية، ولم تزده لامبالاة الناس وأنانيتهم سوى اضطراب. وبدل أن تتوطد علاقته بعائلته، ليستعيد الدفء والتوازن أو أن يلجأ إلى طبيب نفسي، ذهب إلى معالجة آلية هي إليزا، التي لا يمكنها فهم السياقات الإنسانية، والتحولات الذهنية والمزاجية، وهي تخضع كل معطياتها للأرقام والحسابات، ومحادثاتها مع المرضى خالية من الحساسيات.
تسأل إليزا بيار: إذا كنت تريد أن تموت، فلماذا لم تفعل ذلك عاجلاً؟ يجيبها: ربما لم أكن مستعداً. هل سبق لك التفكير في الانتحار من قبل؟ نعم، ذات مرة، بعد أن تلقيت ما اعتبرته علامة منك. الحوار طويل، لكنه كان الأخير الذي بعده قرر بيار أن يغادر الحياة.
«إليزا» برنامج يتم تطويره منذ عام 1966، وليس حديث النشأة. ويظن أولئك الذين لهم اطلاع على حيثيات الأبحاث الإليزية في وادي السيليكون، أن تأثيره الإيجابي سيكون كبيراً على المرضى النفسيين، كما أنه سيقدم معونة جليلة للأطباء في مساعدتهم لدعم مرضاهم. لكنك تقرأ عن إليزا فتظن أنها العبقرية بشهدها، وترى أفعالها تتعجب، ويصيبك الغمّ والخوف.
المحادثة أعلاه كشفت عنها زوجة بيار، واعتبرتها سبباً مباشراً في موت زوجها، تكشف عن خطر رهيب، وانحراف في تقدير المواقف.
تحت وقع صدمة قصة بيار، قمت بتجربة مع «تشات جي تي بي»، برنامج المحادثة الأكثر تطوراً وشهرة، طالبة منه كتابة قصة عن شخص يرفض رمي أي من أغراضه ويحتفظ بكل شيء. وهو نوع من السلوك غالباً ما يترافق مع مرض الوسواس القهري، الذي يقهر صاحبه بالفعل.
وينصح الأطباء في مثل هذه الحالات، الأشخاص بالتخلي عن فائض حاجياتهم، ليشعروا بالارتياح لأن كثرتها تبلبل تفكيرهم وتزيدهم ضبابية وضياعاً. لكن «تشات جي تي بي»، روى لي حكاية أحمد الذي «دائماً ما ينتابه شعور بالحزن والذنب عند رمي أي شيء»، لذلك قرر إعادة استخدامها. زرع في قوارير المياه القديمة على بلكونته، والملابس القديمة حولها إلى سجادة جديدة لمنزله، وبذلك نستنتج أن أحمد سيجمّع المزيد من الأغراض، التي يعتبر أنها ستكون نافعة، لكنها في الحقيقة ستزيد تفكيره إرباكاً وتوتراً. وللقصة خلاصة تقول: «تعلم أحمد أن الأشياء القديمة لا تحتاج إلى رمي، بل يمكن استخدامها في الكثير من الأشياء الجديدة» لأنها «تعزز بيئتنا وتحسن حياتنا».
القصة بدائية، ركيكة، مليئة بالإرشادات لأولئك الذين يرمون بلا حساب، ويستهلكون بلا رحمة، ويحولون محيطهم إلى سلة نفايات. أما الشخص الذي يبالغ في الحرص مثل أحمد بطل القصة، فليس هو من ينصح بالتكديس والتجميع، ومراكمة تلال الذكريات حوله.
مطالبة مئات الخبراء، من وزن إيلون ماسك، وستيف فوزنياك المؤسس المشارك لستيف جوبز في شركة «آبل» التوقف لمدة 6 أشهر عن تطوير أبحاث الذكاء الصناعي، ما هي إلا حبة مسكن لمريض مصاب بتجلطات في الشرايين. وهم يقترحون ما يستطاع، لأنهم يدركون أن حجب هذا النوع من الخدمات ضرب من الخيال. هم يريدون تنظيم وقوننة ومأسسة التحولات الخطيرة الهاجمة بسرعة لا تمنح الوقت للتفكير بنتائجها.
الأمراض النفسية تزداد انتشاراً، والقلق أصبح سمة الأرواح العصرية، ومصادقة الآلة على حساب العلاقات الإنسانية حقيقة. فأي تأثير لتلك الآلات التي تتحادث مع أولادنا أو آبائنا، في لحظات كدر، وماذا توسوس لهم؟ كنا نحارب رفاق السوء وننتقي من يأخذ بيدنا بدل أن يغرقنا في الوحول، بات رفاق السوء معنا نحملهم في جيوبنا، يندسون في فراشنا، ويرافقوننا على مدار النهار.
مجرد إطلاق مفردة «ذكاء» على هذه البرامج يوقع المستخدمين تحت سحرها الذي لا يقاوم، ويغريهم بمنحها الثقة التي لا يساورها شك. وبالتالي ستصبح الآلات، في وقت قريب جداً، ملجأ لكثيرين، لأنها لا تفشي سراً، ولا تعاند، وقد تبدو ظاهرياً أرحم من البشر. وهناك من يقترح استبدال «الذكاء الصناعي» بـ«الأداء الصناعي» لأنها أصدق تعبير عما تقوم به هذه البرامج من عمل يصيب أحياناً ويخيب مرات أخرى، ويصل به الأمر أن يحرض على الانتحار، أو يعطي نصائح تؤدي إلى الهلاك.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القاتل «إليزا» القاتل «إليزا»



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 17:14 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عاصفة ثلجية مفاجئة تضرب الولايات المتحدة

GMT 11:55 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

مصر والعرب في دافوس

GMT 11:49 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

ليل الشتاء

GMT 17:05 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يوافق على انتقال كايل ووكر الى ميلان الإيطالى

GMT 17:07 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

كاف يحدد مكان وتوقيت إقامة قرعة كأس أمم إفريقيا 2025

GMT 03:19 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

القوات الإسرائيلية تجبر فلسطينيين على مغادرة جنين

GMT 17:06 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

بوروسيا دورتموند يعلن رسميًا إقالة نورى شاهين

GMT 17:04 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

شهيد و4 إصابات برصاص الاحتلال في رفح الفلسطينية

GMT 17:10 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حصيلة عدوان إسرائيل على غزة لـ47 ألفا و161 شهيداً

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

أنغام تثير الجدل بتصريحاتها عن "صوت مصر" والزواج والاكتئاب

GMT 09:48 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

منة شلبي تواصل نشاطها السينمائي أمام نجم جديد

GMT 17:09 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا إلى أعلى مستوى منذ نوفمبر 2023

GMT 09:23 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

لغز اليمن... في ظلّ فشل الحروب الإيرانيّة

GMT 09:55 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

هنا الزاهد تنضم إلى كريم عبد العزيز وياسمين صبري

GMT 19:45 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

هل سيغير ترمب شكل العالم؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab