الأسطورة غصن

الأسطورة غصن

الأسطورة غصن

 العرب اليوم -

الأسطورة غصن

سوسن الأبطح
بقلم - سوسن الأبطح

يستحق كارلوس غصن لقب «جيمس بوند» الذي أطلق عليه بعد هروبه الاستعراضي من اليابان، منتصراً بمهارة على جاسوسية التكنولوجيات المتطورة وكاميرات المراقبة، والانضباط الفائق الدقة، ومفلتاً من قيود الإقامة الجبرية الصارمة. لكن الاستعراضية الاستفزازية بدأتها اليابان حين قبضت على المدير التنفيذي لكبرى شركاتها الصناعية، وهو لا يزال في الطائرة الخاصة التي هبطت به في طوكيو. وكأنما أريد أن يرى العالم كله كيفية صعود رجال الأمن على متنها لإنزال غصن بطريقة مهينة وبمشهدية مذلة. وكان يمكن للسلطات هناك أن تنتظر هبوطه أو حتى وصوله إلى بيته أو مكتبه، لتنفذ قرارها من دون الضجيج الذي أثير، والتصوير المتعمد والبث الواسع.
من الصعب الدفاع عن كارلوس غصن أو إدانته بالاتهامات التي وجهت إليه، فثمة من يتحدث عن جانب سياسي لقضيته، وآخرون يكشفون عن خطة كبيرة كان يعد لها غصن للتحالف بين شركتي رينو ونيسان اللتين يديرهما، استشعر اليابانيون أنها لن تكون لصالحهم. والكلام كثير عن طعنة في الظهر سددها له مساعدوه في اليابان، وأقرب المقربين منه، للإيقاع به. وسجّل الصحافيان الفرنسيان إيمانويل إيجلوف وبرتل بيار في كتابهما «الفخ»، تحقيقاً استقصائياً طويلاً حول ما حيك في الظلام لرجل نيسان القوي، من قبل محيطين به في الشركة بالتنسيق مع القضاء الياباني، طوال أشهر للتخلص منه.
لكن ما كان للمتربصين بالرجل أن يتمكنوا منه لولا أخطاء ارتكبها، وتجاوزات انساق إليها، وغلطة الشاطر بألف، وقد تكون القاضية. وما حصل لعبقري الإدارة ومنقذ الشركات من الإفلاس أنه كان معولماً أكثر مما ينبغي، في بلد لا تزال تقاليده أقوى من أن تكسر. فقد أثار أجره الذي بلغ مليون يورو في الشهر حفيظة كثيرين في اليابان، بحيث اعتبر مبلغاً غير منطقي، وكان عليه أن يدافع عن حقه فيه باستمرار، والأمر نفسه واجهه في فرنسا. فما هو مقبول في أميركا يثير حسداً وضغينة لدى شعوب أخرى تشعر بالضيم من موجة تضخم الأجور لحفنة من الناس، على حساب كثرة يتم إفقارها، بحجة مكافأة النجاح. وحين سئل أمين عام نقابة العمال في فرنسا عن هرب غصن أجاب «إنها قضايا أغنياء، لهم طائرات خاصة، وأموال يوظفونها، وجوازات سفر كثيرة تسهل تنقلاتهم».
لكن أحدهم كتب أن غصن يساوي 15 مليار دولار، وهي الخسارة التي تكبدتها الشركتان بسبب سقوط مديرهما التنفيذي. وعلى أي حال كيفما تحرك كارلوس غصن يثير جدلاً. ففي نجاحاته كان منظوراً ومرصوداً وفي إخفاقاته لا تكفّ الصحافة عن متابعة دقيق حركاته وسكناته.
ليست النجومية عادة، من حظ مديري شركات صناعة السيارات، إلا أن غصن استثناء، لإنجازاته الكبيرة من ناحية، ولحب الظهور لديه من ناحية أخرى. فالرجل له ميل كبير لنسج علاقات، كانت جزءاً من صعوده، وسهلت مهماته الصناعية، وأحلامه في توسعة الشركات التي يديرها. صديق الرؤساء والوزراء والنافذين، استفاد دائماً من مهاراته اللبنانية، وثقافته البرازيلية، وتعليمه الفرنسي وخبرته الأميركية.
تمكن غصن من إنقاذ نيسان من كارثة محققة، و20 مليار دولار من الخسائر. وعد بأن يعيد، فخر الصناعة اليابانية أفضل مما كانت خلال ثلاث سنوات، فجعلها واحدة من أغنى شركات السيارات وأنجحها في زمن قياسي. سريع كارلوس غصن وهذه من خصائصه اللافتة. فبعد سنة واحدة كانت البشائر قد تجاوزت المتفق عليه.
استحق بعد إنجازاته هذه - رغم أنها ضربت بعرض الحائط تقاليد من صنف الصرف من العمل، أو إغلاق فروع للشركة - أن يصبح في اليابان رمزاً للنجاح، وأسطورة مجسدة في كتب «المانغا» للقصص المصورة الواسعة الانتشار. وصار اليابانيون ينحنون له إجلالاً لخدماته الوطنية التي لا تضاهى.
بقيت العيون ترقب الرجل بسلوكياته النافرة. الطائرة الخاصة لنيسان التي تؤمن تنقلاته بين القارات، نمط العيش المرفه الذي يحب أن يظهره ولا يداريه. منازله الفاخرة. لم يكتف غصن صاحب الحيوية الفياضة بأجره المرتفع، فله استثمارات وأعمال في شركات عدة، وأسهم تؤمن له أرباحاً إضافية. طموح غصن لكن البعض يرى في ممارساته جشعاً. أراد اليابانيون بعد سجنه أن يُنسى كأنه لم يكن، لكن الاهتمام به ازداد ولم ينطفئ، وإثر هروبه صار كل خبر صغير حوله سبقاً.
في فرنسا ثمة من يعتبره ضحية، ويلوم السلطات لأنها لم تقم بما يكفي لمساعدته كمواطن فرنسي. وهناك من يرى فيه مجرد ثري آخر يثير ضجيجاً. وفي لبنان، يصل كارلوس غصن والمعركة على الفساد في أوجها. الترحيب به في وطنه الأم، يقتصر على البعض، بينما يراه آخرون شبيهاً بالطبقة الحاكمة بشطارتها وحبها للمال. ولو حط في بلاد الأرز في غير هذا الظرف لربما كان من أشد المؤهلين لرئاسة الجمهورية.
في زمن الثورات التي تجتاح القارات، ضد الرأسمالية المتوحشة والمال الفاحش، تبدو قضية غصن كأنها تستفز مشاعر، من سئموا تجاوزات أصحاب الثروات وحكايات المستثمرين وشطارتهم. لكنّ صحافياً فرنسياً تساءل: «لماذا نقبل أن يكون أجر لاعب كرة قدم عشرة أضعاف راتب غصن الذي قضى سنوات في التعليم وبذل جهداً خارقاً في العمل؟ ولا نشعر ناحيته بالحسد أو الضيق، كما لا نتهمه بالشراهة؟». ولمن لا يعرف، يكسب لاعب برشلونة ليونيل ميسي، وكذلك نجم ريال مدريد السابق كريستيانو رونالدو مائة مليون دولار سنوياً، لكل منهما، ومثلهما يمكن الحديث عن نجوم سينمائيين ومغنين لا تزعج ثرواتهم أحداً. يبقى أن قصة كارلوس غصن، كما كتب زميلي وأستاذي سمير عطا الله من خامة تصلح لأن تتحول إلى فيلم هوليوودي، بعد أن بدأت تكتمل لها كل عناصر التشويق وتثار الأسئلة، والآتي لن يكون قليلاً.

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأسطورة غصن الأسطورة غصن



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
 العرب اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 18:05 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن القضاء على 200 مسلح في ريفي حماة وإدلب
 العرب اليوم - الجيش السوري يعلن القضاء على 200 مسلح في ريفي حماة وإدلب

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة
 العرب اليوم - سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 العرب اليوم - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا

GMT 18:29 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 17:20 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 11:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الاحتلال ينسف مبانى بحى الجنينة شرقى رفح الفلسطينية

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 11:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

فقدان ثلاثة متسلقين أثناء صعودهم لأعلى قمة جبل في نيوزيلندا

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 08:11 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات تايلاند إلى 25 قتيلا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab