خنجر في الخاصرة

خنجر في الخاصرة

خنجر في الخاصرة

 العرب اليوم -

خنجر في الخاصرة

بقلم - سوسن الأبطح

ضربة للديمقراطية وحرية التعبير، موافقة مجلس النواب الأميركي، بأغلبية ساحقة، على قرار يساوي بين «معادة الصهيونية» و«معاداة السامية». الأمر ليس مجرد خلط بريء بين مفهومين، لا رابط بينهما، بل هو نتيجة متوقعة، خاصة أن مناصري إسرائيل منذ بداية الحرب على غزة، يتهمون كل من لا يدين حماس بشكل صارم، أو ينتقد إسرائيل، أو حتى يجلي شيئا من حقيقة المذابح التي ترتكبها بحق أبرياء فلسطين، بتهمة «معاداة السامية» في نوع من التخويف والتهديد، وكي لا يتمكن كائن من توجيه تهمة لإسرائيل، فما بالك بمحاكمتها على جرائمها!الصهيونية لها جذور دينية مسيحية، قد تعود إلى القرن السابع عشر؛ حيث ظهرت في الأوساط البروتستانتية المتطرفة، فكرة ضرورة تجميع اليهود في فلسطين، لاستعجال عودة المسيح. وأعيد التقاط خيوط الفكرة في الأوساط اليهودية في القرن التاسع عشر، ردا منهم على المجازر التي تعرضوا لها في عدة دول أوروبية منها إسبانيا وإنجلترا وروسيا، وكان آخرها ألمانيا. مشروع تيودور هرتزل يقضي بأنه لا بد من دولة قومية لليهود، ولسوء حظنا أن القرعة وقعت على فلسطين، وكان ثمة اقتراح حول الأرجنتين وحتى أوغندا.

وبما أننا لسنا من اضطهد اليهود، ولا أحرقناهم فاتهامنا بـ«معاداة السامية» نوع من التبلي السياسي، لأننا لا نعرف عن فحوى هذه العنصرية الغربية المزمنة، سوى ما قرأناه في الكتب. أما «معاداة الصهيوينة» فهو دفع لمشروع استعماري، يقيم بيننا، ينتهج قتل الأبرياء ويمارس الفصل العنصري، بأبشع أشكاله، بشهادة ناليدي باندور وزيرة خارجية جنوب أفريقيا التي وصفت الوضع في غزة بأنه «أسوأ بكثير من الذي عشناه تحت الفصل العنصري».

وبالتالي فإن معركة إسرائيل العالمية، لاستخدام حجة «معاداة السامية» ودمجها بـ«معاداة الصهيونية»، إن نجحت بالفعل، فهي مأساة أوروبية وعالمية ستدفع ثمنها المجتمعات غالياً، لأنها ستحجب أي رواية تختلف عن السردية الإسرائيلية، وتفتح الباب على حروب دينية، وخلط في المفاهيم، وفوضى في الصورة، وزجّ للعالمين في أتون العنصرية، كل هذا لدرء مصطلح واحد يختصر كل المأساة هو: «احتلال»، وضرورة زواله.

فبما أن العداء للسامية هو عداء نسل حام ويافث أي (الشعوب الهندو أوروبية والأفريقية) لسلالة سام، ونحن منها، فلماذا طردنا عنوة حتى من انتمائنا لجدنا الأول؟!

حقاً إنه جدل، لا شك عقيم، والقصد منه بلبلة الأفكار، وشغل العقل عن أصل المشكلة السياسية التي نعيشها اليوم.

«الديمقراطية» الغربية تنتحر وهي تأخذ منحى تصاعدياً، في تكميم الأفواه. منذ غزو العراق عام 2003 كان ملحوظاً أن الرأي العام لا مجال فيه لأي تلاوين، وعلى الجميع، أن يصطف خلف القوات العسكرية التي يجب أن تؤدب صدّام ولو قتلت العراقيين جميعاً، ونهبت الآثار، وحولت بلداً بملايينه الأربعين إلى شعب بلا جيش ولا مؤسسات، أو مقومات. ومع أن الأيام أثبتت زيف كل الادعاءات التي بررت الغزو وعلى رأسها، حيازة العراق أسلحة الدمار الشامل، فإن فضيحة كهذه لم تكن خلاصتها مزيداً من الديمقراطية، بل حرية في التعبير أقل. ولم يعترض أحد على المفردات التبشيرية المسيحية لقائد الحملة يومها الرئيس الأميركي جورج بوش الابن الذي قسم العالم إلى فسطاطين لا ثالث لهما «الخير والشر»، ورأى «أن الإرهابيين يمقتوننا، لأننا نعبد الرب بالطريقة التي نراها مناسبة».

ومع الحرب بين أوكرانيا وروسيا، بدت الموجة الهوجاء أكثر عنفاً، طالت كل ما هو روسي، من رؤوس أموال إلى استثمارات، ومراكز ثقافية، وحتى اضطهاد الموسيقيين، والرسامين والقطط، ومن يجرؤون على تعلم اللغة الروسية من الأوروبيين. تجندت البرامج التلفزيونية للحديث عن هزيمة بوتين المحققة، وتصوير الصراع على أنه بين الحرية والديمقراطية الغربيتين، والشرّ بطغيانه وديكتاتوريته، وقمعه، المتمثل في شخص بوتين.

اقتنع الأوروبيون أن عليهم أن يدفعوا فاتورة لا طاقة لهم بها، في الكهرباء ووقود السيارات وكل شيء، ما داموا يدافعون عن قيمهم السامية التي كافحوا مئات السنين من أجلها. ومع هجوم حماس على غلاف غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لم يكتفِ الإعلام الغربي بتضخيم الواقعة، بل يكرر بث الأكاذيب ولا يزال، وكأنما لا بد من بهار وملح وكثير من التوابل. سمعنا رئيس الولايات المتحدة نفسه يتحدث عن قتل الأطفال عمداً، ثم إنه لا يزال بعد شهرين وموت ما يزيد على 20 ألف فلسطيني، يدّعي دون أي دليل، أن حماس ارتكبت عمليات اغتصاب، مستخدماً عبارة «عنف جنسي» خلال الهجوم على تجمعات سكنية، رابطاً بين ما لا يمكن ربطه، حين يقول في الوقت نفسه إن الهدنة انهارت بسبب رفض حماس الإفراج عن شابات رهينات، وكأنما يغمز من قناة تعرض الرهينات للمصير نفسه.

وتكميم الأفواه عن التفوه ولو بكلمة ضد إسرائيل سابق لفعلة حماس. فقد تبنى النواب الفرنسيون في الجمعية العامة منذ عام 2019 نصاً يوسع تعريف «معاداة السامية»، ليشمل «معادة الصهيونية»، أي أنه يساوي بين المفهومين.

وفي حملة إعلامية عالمية منسقة، يتهم اليوم كل من يتحدث عن ارتكابات إسرائيل واستباحتها للمحرمات في حربها على غزة، بالمعاداة للسامية. ووصل الأمر حدّ النظر إلى الكوفية بوصفها خطرا، وعلم فلسطين بعدّه تهمة، ومنعت في فرنسا مظاهرات مؤيدة لفلسطين، فيما بدا سلوكاً حضارياً إنسانياً، الالتحاق بمظاهرة ضد «معاداة السامية» لم يكن ينقصها إلا الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي تعب المحللون وهم يفسرون سبب غيابه.

لا تزال الحملة في أولها، وإذا دققت، رأيت أن من يصمتون في أوروبا خوفاً وتردداً، أصبحوا كثرة. وربما تسعى إسرائيل من خلال كل هذا الطغيان والجبروت لحتفها، إذ لا تستطيع أن ترتكب كل موبقات الأرض، وترمي الآخرين، إذا ما اعترضوا أو حتى تساءلوا، بتهمة «العنصرية» و«التحريض على الكراهية».

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خنجر في الخاصرة خنجر في الخاصرة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 03:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تطالب بتبني قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة

GMT 06:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 18:42 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسل جديد يجمع حسن الرداد وإيمي سمير غانم في رمضان 2025

GMT 18:00 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يكشف سر تكريم أحمد عز في مهرجان القاهرة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab