لبنان أسير تاريخ ورهينة جغرافيا

لبنان... أسير تاريخ ورهينة جغرافيا

لبنان... أسير تاريخ ورهينة جغرافيا

 العرب اليوم -

لبنان أسير تاريخ ورهينة جغرافيا

بقلم - إياد أبو شقرا

يأتي موفدٌ ويغادرُ وسيطٌ... ويبقى الفراغُ على حالِه في بلدٍ اعتادَ الفراغ.

بعض اللبنانيين غارقون اليومَ في هواجس التغيّر الديموغرافي الذي تُسهم فيه «موجات» النزوح من سوريا، بينما يتراشق قادتهم بالتهم والإيحاءات عن المتسبّب الحقيقي ببدء النزوح - وقبله اللجوء - ومن ثم استمراره بوتائر وغايات مختلفة حتى الآن.

طبعاً من غير المنطقي تجاهل حقائق أساسية متصلة بالحسابات الداخلية للاعبين اللبنانيين، طوائفَ وقيادات.

وأيضاً من غير الموضوعي إغفال الحسابات الإقليمية والدولية إزاء ما هو أكبر من لبنان، وأكثر تعقيداً من عملية انتخابات رئيس لا يرأس... في جمهورية تفقد يوماً بعد يوم هويتها وسيادتها ومناعتها ودورها في المنطقة.

على مستوى الحسابات الداخلية، لا يزال اللاعبون اللبنانيون عاجزين عن اجتراح صيغة حقيقية للتعايش لا تقوم على الهروب إلى الأمام. وكل الطوائف والقيادات اللبنانية، تقريباً، تبقى أسيرة إما لمخاوفها التي تبرّر عندها التقوقع - وأحياناً المطالبة بالتقسيم والفرز السكاني - أو تعدّ أن من حقها تحصين مواقعها وتكبير نفوذها؛ سواءً على المستوى المحلي بين المكوّنات اللبنانية الأخرى، أو على مستوى الشرق الأوسط، عبر الاستقواء بتغيّر ميزان القوى لصالحها بين القوى الإقليمية المؤثرة.

نعم، اللاعبون اللبنانيون ما زالوا يناورون مع أنهم يعلمون جيداً أنهم كشعب، وأن بلدهم كبلد، باتوا أقل أهمية بكثير عن ذي قبل. وعليه، لعل الدافع الأساسي لمواصلتهم المناورة لا يعدو كونه محاولة تحسين موقع سياسي أو طائفي في تركيبة مستقبلية ستُفرَض عليهم عاجلاً أو آجلاً... أو التقليص ما أمكن من حجم الخسائر عندما تُفرَض تلك التركيبة عليهم فرضاً.

غالبية الوساطات الجارية حالياً في لبنان تحت هدف «إنهاء الأزمة السياسية عبر انتخاب رئيس للجمهورية» لا تزال تتجاهل عمداً جوهر الأزمة. ومعظم الوسطاء والموفدين، أيضاً، يناورون ربما لأن الأمور - منذ انتهاء رئاسة ميشال عون يوم 22 أكتوبر (تشرين الأول) 2022 - لا تزال بعيدة عن الحسم في المستوى الأعلى من التنافس الدولي بين القوى الكبرى. وهذا تنافس يؤثر بدوره كثيراً في حسابات منطقة الشرق الأوسط ومعادلاتها، نزولاً إلى الكيمياء المحلية في كيانات مُستضعَفة ومُصادَرة السيادة ومُهدَّدة بالتقسيم والتقاسم.

بالأمس، في القوقاز، اقترب الصراع الأذري (الأذربيجاني) - الأرميني من الحسم لمصلحة أذربيجان على حساب مستقبل الجمهورية الصغيرة وغير المعترف بها دولياً... التي كان الانفصاليون الأرمن قد أعلنوها في إقليم كاراباخ (قره باغ). ومن دون شك، مثل هذه النتيجة المأساوية لعشرات ألوف الأرمن أفرزتها مصالح أكبر منهم، ومن اعتراضاتهم، ومن إقليمهم.

ثمة بقاع وكيانات صغيرة كثيرة من العالم، عدد منها في منطقتنا، مرشحة أيضاً لمصائر مشابهة عندما تتقاطع جملة من الاعتبارات، أبرزها اثنان:

الأول، المصالح الاستراتيجية للقوى الدولية الكبرى.

والثاني، كلفة تعامل القوى الدولية الكبرى مع القوى الإقليمية، تعاوناً أو مواجهةً.

بالنسبة للبنان، حيث يحكم البلاد فعلياً «حزب الله»، حليف إيران الإقليمي الأساسي، استنسخ «الحزب» منذ مدة النظام الإيراني بعد تعديله محلياً لمراعاة مقتضى الحال. ومع هذا، نجد أن جلّ الوسطاء والموفدين يتصرّفون كأنهم لا يعلمون. وطوال الأشهر الـ12 الأخيرة، رأينا كيف تتعمّد طروحات هؤلاء تغييب هذه الحقيقة، وتحاول الالتفاف عليها عبر إلهاء الناس بـ«لعبة الأسماء». وهذا، كأن زيداً، أو عَمراً من السياسيين، سيكون قادراً على الحكم بوجود «قوة الأمر الواقع»... القوى المُمسكة ليس فقط بقرارات الأمن والحرب والسلم، بل أيضاً بعصب الاقتصاد، في أعقاب تأسيسها اقتصاداً ناشطاً موازياً.

ما يعاني منه لبنان على صلة بما تمرّ به سوريا، التي أسهمت أوضاعها منذ مارس (آذار) 2011 في مفاقمة الأزمة اللبنانية. وبدايةً، كما هو معلوم، لعبت أطراف لبنانية؛ على رأسها «حزب الله»، دوراً فاعلاً في القتال، ولاحقاً التهجير. إذ أدى القتال الذي انتشر على معظم أجزاء سوريا إلى اقتلاع ملايين المواطنين السوريين في الداخل، وتهجير كثير منهم إلى الخارج.

وحتماً كان لبنان والأردن وتركيا في طليعة الدول «الجارة» التي كان عليها صدمة التهجير على حساب اقتصاداتها وإشكالاتها السياسية والفئوية.

أكثر من هذا، ما إن استوعبت هذه الدول الثلاث صدمة تدفّق اللاجئين عليها، سرعان ما وجدت أنها غدت معابر لتجارة المخدرات وتهريب السلاح من سوريا... بلد المنشأ!!

وفي ضوء هذا الواقع اعتمد العالم مع نظام دمشق ما بدا له أنها «سياسة العصا والجزرة»، القائمة من ناحية على الانفتاح من منطلق الترغيب بالتعاون وإعادة اللاجئين والنازحين، ومن ناحية أخرى على التهديد بالإبقاء على المقاطعة والتضييق في حال رفض التعاون. وفي النتيجة، ارتُئي أخيراً وقف الانفتاح لأنه لم يحقق الغرض المرجوّ منه... إذ لم يسجل أي شكل من أشكال التعاون. بل، وحصل ذلك، مع التلاشي التدريجي لسلطة النظام في عدد من مناطق سوريا، وكانت آخرها منطقة الجنوب؛ حيث سهل حوران وجبل العرب. وهذه منطقة حدودية وحساسة تعدّ بوابة سوريا الجنوبية على الأردن فشبه الجزيرة العربية.

راهناً، بالكاد توجد في لبنان مؤسسات حكومية سليمة، بينما تترنّح أخرى كالقضاء والتعليم والنظام المصرفي. وعليه، ومجرّد تصوّر أن انتخاب رئيس يمكن أن يحدث، يُلجم - ولو جزئياً - الانهيار الإقليمي... تصوّر عبثي وقاصر. ذلك أن أي مقاربة لا تأخذ في الحساب مصير الحيّز الجغرافي الممتد بين حدود إيران الغربية وشاطئ المتوسط مقاربة محكومة سلفاً بالفشل...

حقاً، تعيسة جداً الأوطان التي تظل أسيرة للتاريخ ورهينة للجغرافيا.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان أسير تاريخ ورهينة جغرافيا لبنان أسير تاريخ ورهينة جغرافيا



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 العرب اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 02:42 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

فردوس عبد الحميد تروي تفاصيل موقف إنساني جمعها بـ سعاد حسني
 العرب اليوم - فردوس عبد الحميد تروي تفاصيل موقف إنساني جمعها بـ سعاد حسني

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 العرب اليوم - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يعلن عن مكافأة 5 ملايين دولار مقابل عودة كل رهينة

GMT 14:17 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نادين نجيم تكشف عن سبب غيابها عن الأعمال المصرية

GMT 09:07 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا تشارك في حفل توقيع كتاب «فن الخيال» لميرفت أبو عوف

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

تنسيق الأوشحة الملونة بطرق عصرية جذابة

GMT 09:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات أوشحة متنوعة موضة خريف وشتاء 2024-2025

GMT 06:33 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صهينة كرة القدم!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab