وحدة الإنسانية وانشطار العالم

وحدة الإنسانية وانشطار العالم

وحدة الإنسانية وانشطار العالم

 العرب اليوم -

وحدة الإنسانية وانشطار العالم

بقلم - رضوان السيد

اختار وفد وزراء خارجية القمة العربية - الإسلامية المنعقدة بالرياض لإغاثة غزة وفلسطين أن يبدأ زياراته للدول دائمة العضوية بمجلس الأمن بزيارة الصين فروسيا فبريطانيا ففرنسا فالولايات المتحدة. وهذا عكس ما كان يجري سابقاً عندما كان سائر المطالبين أو المحتجين يبدأون بالولايات المتحدة بصفتها زعيمة العالم الحر، والمؤتمنة على المبادئ والقيم المستقرة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. طالب وزراء الخارجية العرب والمسلمون ومعهم وزير الخارجية الصيني بثلاثة أمور رئيسية: وقف الحرب على غزة، والإمداد غير المحدود بالمساعدات لقطاع غزة المنكوب بالاجتياح الإسرائيلي، والسير باتجاه حل الدولتين ليحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة فتنتهي حالة النزاع المستعرة على فلسطين منذ مائة عام.

تتحدث سائر الأطراف هذه الأيام عن حل الدولتين بوصفه السبيل لإنهاء النزاع الرئيسي في الشرق الأوسط. لكنّ مبادرة القمة العربية - الإسلامية هي الرئيسية، لأنها تمثّل تصور أهل المنطقة والقضية. ولا يضاهيها في علوّ الصوت غير صرخات المنظمات الدولية والإنسانية المروَّعة بأحداث غزة، التي تبهظ كواهلها الكارثة الإنسانية بالقطاع. والجهتان: العرب والمسلمون، والمنظمات الإنسانية ما يزالون منتظمين تحت مبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وإنما يشكون من أمرين: ازدواجية المعايير، وتوقف المعايير عن التوجيه والنفاذ بسبب الصراع الدولي، والرؤية بالعين الواحدة!

وما افتقدت المبادرة العربية - الإسلامية للتوازن. فبتقديم زيارة الصين (على الولايات المتحدة)، والالتزام بالقوانين الدولية وقرارات الشرعية الدولية في الوقت نفسه، احتجت على الانحياز الأميركي والغربي مرتين، وراعت تحولات القوة في النظام الدولي. فالمعايير التي وضعها الغرب في ميثاق الأُمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لا يراعيها ولا يحترمها الغرب نفسه؛ في حين تقول القوة العالمية الجديدة، ويقول أصحاب القضية إنهم يريدون إعادة احترام النظام الدولي من أجل الحق السياسي والإنساني، ومن أجل منع الحروب، وهي المهمة التي عجز مجلس الأمن عن القيام بها بسبب تبادل تعطيله من جانب القوى الكبرى.

هل تنجح المبادرة العربية - الإسلامية في وقف الحرب لاقترانها بالمبادرات الإنسانية الشاملة، وبالرأي العام العالمي؟ هناك إضافةً لذلك مبادرة جديدة من جانب جنوب أفريقيا، التي دعت لاجتماعٍ افتراضي للبريكس، وهو تحالفٌ بين اقتصادات كبرى غير غربية. في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وقد شارف الاستعمار على الزوال، ما عادت هناك غير مشكلتين: نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا حيث تحكم أقلية بيضاء كثرةً من السود، ومشكلة الاستعمار الصهيوني في فلسطين. لقد صار مانديلا رمزاً للنضال ضد الاستعمار والتفرقة العنصرية، يضاهي نموذجه نموذج غاندي وحركة اللاعنف بالهند. بالنضال سقط نظام التفرقة وزال، وصارت دولة جنوب أفريقيا إحدى أبرز الدول الحرة والجديدة في أفريقيا. وبهذا الميراث للتحرر الإنساني تنهض جنوب أفريقيا الآن من خلال البريكس لتتحدى استعمار الاستيطان والتفرقة والحرب في غزة وفلسطين. رئيس جنوب أفريقيا ما تحدى بمبادرته من أجل السلام في غزة وفلسطين الحرب على المدنيين فقط؛ بل تحدى أيضاً الاستثناء المتمثل في الحالة الإسرائيلية على حساب الشعب الفلسطيني. جدعون ليفي المسؤول السياسي والعسكري السابق في النظام الصهيوني، قال إنّ لهذا الاستثناء ثلاثة أركان: اعتبار كثرة في إسرائيل أنهم شعبٌ مختار لا يخضع للمقاييس الدولية والإنسانية - وتعدُّ تلك الكثرة أنّ الفلسطينيين أقلّ قيمةً منهم من الناحية الإنسانية - واستناد الإسرائيليين في تفوقهم المطمئن إلى الولايات المتحدة. جدعون ليفي رأى أنّ إسرائيل ضائعة لناحية الروح الإنساني ويطلب من الولايات المتحدة إنقاذها (!). رئيس جنوب أفريقيا في مخاطبته للبريكس رأى وجوب إسقاط الاستثناء، ولا يضع آماله في الولايات المتحدة المستسلمة. لإسرائيل من زمان؛ بل في المقاييس الإنسانية الدولية التي ينبغي إعادتها للعمل والنفاذ.

ما عاد أحدٌ يشكّك في وحدة الإنسانية، وإنما المشكلة في «انشطار العالم». وهو انشطارٌ يتجاوز مسائل الصراع بين الكبار، إلى قضايا القيم الحاكمة. كان إدوارد سعيد في الاستشراق، يرى أنّ المشكلة مع المستشرقين أنهم تجاوزوا قيم التنوير وخانوها في تعقيدات علائق السلطة بالمعرفة. بيد أنّ مدرسة التابع Subaltern ذهبت إلى أن المشكلة هي في قيم التنوير بالذات، التي صارت في أزمنة الاستعمار وما بعد حكراً على الغرب المتألّه، الذي تصرف ويتصرف بمقتضى التفوق في علائق القوة، ويتحكم في مسائل الحق الإنساني بما يتجاوز حتى ازدواجية معايير. إنّ انشطار العالم حتى في مسائل شمولية القيم، الذي كشفت عنه الحرب على غزة التي صارت حرباً على المستشفيات والنازحين والأطفال، تمضي إلى أعمق أعماق الإنسان. هناك افتقاد شاسع للثقة ليس في النظام الدولي وحسب، بل وفي اعتبارات الخير والشر والصالح والطالح، والمساواة بين الناس. ولأنّ الأطفال يُقتلون من دون حساب، هناك كثيرون يحملون على التأملات الفلسفية وعلى الجدالات في الحق والباطل. إنّ لدينا من جهة هذه الرؤية لدى رئيس جنوب أفريقيا، ولدى ولي العهد السعودي في كلمته الموجهة لاجتماع البريكس الافتراضي. رئيس جنوب أفريقيا يتحدث عن إسقاط الاستثناء، والعودة إلى المبادئ العامة للمساواة بين البشر في الحقوق والواجبات، وفي ذهنه نظام التفرقة العنصرية القديم والذي كان سائداً في جنوب أفريقيا، وأجزاء مختلفة من القارة الشقية. فلا بد من إنهاء الحرب على أطفال غزة كما تفرضه إنسانية الإنسان، ويفرضه القانون الدولي والدولي الإنساني. وولي العهد السعودي عاد فأكّد منطلقاً من مقررات القمة العربية - الإسلامية، ومن الشرعية الدولية وقراراتها، على ضرورة وقف الحرب على غزة، وإطلاق المساعدات الدولية في الغذاء والدواء والوقود (والسعودية هي الأكثر إسهاماً فيها الآن)، والسير باتجاه السلام العادل والدائم من حل خلال الدولتين.

يستطيع الفلاسفة أن يتابعوا تأملاتهم في الواجبات والضرورات، وفي مقاييس الفضائل والرذائل، وهي مفيدةٌ في النهاية، وليست تمريناً لسانياً وحسب. لكنّ المطلوب الآن إيقاف القتل وإيقاف التهجير وإيقاف العدوان على الإنسان والعمران.

كيف الخروج من «انشطار العالم»، الذي يقسم الناس إلى أبناء سيدةٍ وأبناء جارية، فلا تسري قيم وفضائل الإنسانية إلّا على السيدة وأبنائها!

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وحدة الإنسانية وانشطار العالم وحدة الإنسانية وانشطار العالم



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:17 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش السوداني يعلن تحرير مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار
 العرب اليوم - الجيش السوداني يعلن تحرير مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة

GMT 08:39 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل السراويل الرائجة هذا الموسم مع الحجاب

GMT 16:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab