على وتر التناسي

على وتر التناسي

على وتر التناسي

 العرب اليوم -

على وتر التناسي

بقلم - أمينة خيري

القول بأن الحرب الحقيقية، لا تلك التى يتم الدعوة لها والتخطيط لخطواتها وتقرير نتائجها من خلف الشاشات وعلى «الكيبورد»، قرار بالغ الكلفة اقتصادياً واجتماعياً ونفسياً، لا يعنى عدم خوض الحرب إن كانت الخيار الأخير والوحيد. العقلاء لا ينجرون إلى الحرب فقط لاستعراض العضلات، فقط السفهاء من يفعلون ذلك.

والقول بأن القيام بـ«عملية» تثلج القلوب وتبرد نار الظلم وتهدئ روع الوقوع فى براثن الاحتلال لمدة ساعة أو بعض ساعة يعطيها، دون نظر لما سيحدث فى «اليوم التالى»، أو لكلفة ضخ السيروتونين (هرمون السعادة) بمعدلات مرتفعة لدقائق، أو لما ستسفر عنه هذه «العملية» من ترحيل لمسئوليات الرد والردع والإنقاذ وتحميلها لآخرين يدفعون ثمن «العملية» من حياتهم وحياة أبنائهم أو يضطرون للفرار من بيوتهم وبلادهم، أو يهبون للضلوع فى مواجهات وصراعات وحروب لأن الشهامة والشجاعة ونجدة المستغيث سمتهم، هو شكل من أشكال التهور أو التسرع مع عدم تحمل تبعاته، لا يعنى التخلى عن القيام بمهام تاريخية ريادية لم نتوقف عنها يوماً.

ما سبق مقدمة لا بد منها قبل الإشارة إلى ما يجرى على حدودنا الشرقية، وتحديداً رفح المحورية. لو كانت المقاومة بالكلام، والتصدى بـ«اللايكات»، ونجدة المظلوم بـ«الشير» وإعادة النشر والإرسال، واستعادة الحقوق بالمناطحات الإعلامية، وإثبات حسن النوايا بعدد المتابعين لكانت الأمور سهلة وبسيطة.

ولو كانت حماية الأرض، وردع المعتدى تتم عبر قياس عدد المتابعين لكانت الدنيا سهلة وبسيطة. ولو كان الحديث عن جيوش جرارة موحدة، وتحالفات قوية عابرة للحدود، ومسئوليات قومية جاهزة للتفعيل مفعلاً على أرض الواقع وقت الحاجة لكانت الأمور مختلفة من ألفها إلى يائها.

ألف باء الحنجورية تقوم على التهييج حين يكون الأمر مقتصراً على الخطابة والبلاغة ثم التظاهر بعدم الوجود حين ينتقل الحال من الكلام إلى الفعل.

مصر فى خانة الفاعل. عقب قيام «حماس» بعملية السابع من أكتوبر، وما تلاها كما هو متوقع تماماً، من رد فعل إسرائيلى عارم متعجرف متغطرس، هب كثيرون عبر وسائل الإعلام الغربية وبعض من الإقليمية يتساءلون باستنكار: لماذا لا تفتح مصر حدودها لاستقبال سكان غزة هرباً من آلة القتل الإسرائيلية؟ وحين بذلت مصر الجهد الجهيد لاستقبال المصابين والمرضى، هب أولئك لطرح سؤال استنكارى آخر: هل تخطط مصر لتفريغ القضية وتهجير الفلسطينيين؟ وحين تصدرت مصر مفاوضات محاولات التهدئة، سارعوا إلى التشكيك فى النوايا والأهداف، ولا يهدئ من تشكيكاتهم سوى ضلوع آخرين فى المفاوضات. وحين تريثت وعمدت إلى التعقل والحكمة أمام الأفعال الهوجاء من قبل إسرائيل، حملوا السكاكين وبدأوا فى توجيه الطعنات: لماذا لا ترد مصر بشن حرب شعواء؟ وحين تمادت إسرائيل، وجاء الرد المصرى حاسماً نافذاً مؤكداً على إمكانية إلغاء أو تعطيل معاهدات وقلب الموازين، تركوا السكاكين وحملوا أغصان الزيتون ونددوا بالتصعيد.

وعلى سبيل التذكرة، فإن مصر لم تقصر يوماً فى حق فلسطين وقضيتها. المصرى يولد وهو يعتبر فلسطين قضيته. المسألة لا علاقة لها بنظام سياسى، أو توجه أيديولوجى، أو حتى معتقد دينى. دعك من أن البعض نجح فى تحويل الاحتلال الإسرائيلى والمقاومة الفلسطينية (بمعناها اليومى وليس الحركات والجماعات) إلى قضية دينية، حيث المسلمون يواجهون اليهود، وحتى فى ظل قيام إسرائيل على فكرة الدولة الدينية اليهودية، تظل القضية قضية احتلال واغتصاب، وليست ديناً يصارع ديناً. المسألة مبدأ وقناعة وجزء لا يتجزأ من التكوين الاجتماعى المصرى.

هذا التكوين المصرى ينساه أو يتناساه البعض. ويدق على وتر التناسى تيارات بعينها لا يهمها فلسطين أو الاحتلال أو الاغتصاب، بقدر ما يهمها أولويات ومصالح جماعتها، أو تحركها ميول انتقام لا تمنعها من حرق البلاد والعباد لتشفى غليلها. وللأسف أن جانباً من الأجيال الأصغر سناً تنجرف وراء هؤلاء أو تصدق أولئك. كل ما عليهم قراءة بعض من التاريخ والاطلاع على قدر من الجغرافيا والإلمام بأبجديات التركيبة المصرية الأصيلة.

التركيبة المصرية الأصيلة تعرف منهج «كل يوم مكرونة بالفراخ». إنه المنهج القائم على الاعتراض على وجبة اليوم. «كل يوم مكرونة بالفراخ؟» فتخبره أن ما يأكل ليس مكرونة بالفراخ، بل قلقاس، فيستمر بلا حياء أو تعقل: «كل يوم قلقاس؟ كل يوم قلقاس؟»

وعلى سبيل التذكر، أذكر نفسى وإياكم بأن شعب السودان، أو من تبقى من إخوتنا السودانيين فى السودان، «عالق فى جحيم من العنف». هذه ليست مبالغة أو طنطنة. إنها الكلمات التى استخدمتها الأمم المتحدة للشئون الإنسانية فى السودان نكويتا سلامى لوصف الوضع فى السودان، جارنا الجنوبى. وأزيدكم من الشعر بيتاً حيث إخوتنا فى السودان ليسوا عالقين فى جحيم عنف فقط، ولكن خطر المجاعة يضيق خناقه عليهم.

يبدو أن وتر التناسى يتم الدق عليه من كل جانب.

arabstoday

GMT 02:18 2024 السبت ,01 حزيران / يونيو

على بحر الرجز

GMT 02:15 2024 السبت ,01 حزيران / يونيو

من طوفان الأقصى إلى طوفان الإنسانية

GMT 02:13 2024 السبت ,01 حزيران / يونيو

حضرة صوفية في جلسة سياسية

GMT 02:11 2024 السبت ,01 حزيران / يونيو

إصلاحُ الفاسد ببيانِ المتنبي لطباع الحاسد

GMT 02:10 2024 السبت ,01 حزيران / يونيو

الوالدية الإيجابية

GMT 02:07 2024 السبت ,01 حزيران / يونيو

قذائف الكراهية لا تفيد

GMT 02:06 2024 السبت ,01 حزيران / يونيو

افتحوا الحدود وحاربوا!

GMT 02:01 2024 السبت ,01 حزيران / يونيو

على نفقة الشعب!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

على وتر التناسي على وتر التناسي



الإطلالات البراقة اختيارات نانسي عجرم في المناسبات

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 03:36 2024 السبت ,01 حزيران / يونيو

إنكلترا تطلق تجربة أول لقاح للسرطان في العالم
 العرب اليوم - إنكلترا تطلق تجربة أول لقاح للسرطان في العالم

GMT 14:16 2024 الجمعة ,31 أيار / مايو

عُطل في خدمات "أخبار غوغل" في أنحاء العالم
 العرب اليوم - عُطل في خدمات "أخبار غوغل" في أنحاء العالم

GMT 22:24 2024 الخميس ,30 أيار / مايو

مقتل شخص وإصابة 8 في هجوم بسكين في المغرب

GMT 14:16 2024 الجمعة ,31 أيار / مايو

عُطل في خدمات "أخبار غوغل" في أنحاء العالم

GMT 00:29 2024 الجمعة ,31 أيار / مايو

صحوة الحجّاج

GMT 10:47 2024 الجمعة ,31 أيار / مايو

تسجيل هزتين أرضيتين في تونس

GMT 00:33 2024 الجمعة ,31 أيار / مايو

أصايل ومستقبليّون

GMT 00:22 2024 الجمعة ,31 أيار / مايو

لماذا تستعين القومية بالدين؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab