بقلم : أمينة خيري
العملية الأمريكية فى كابول التى أسفرت عن مقتل أيمن الظواهرى فى البيت الذى كان يقيم به على مقربة من السفارة الأمريكية تجبرنا على تصحيح مفاهيمنا الخاطئة حول الإرهاب وقواعد الانخراط فيه.
«الفقر والعوز والظلم وانعدام العدالة الاجتماعية والإحباط وانعدام المساواة والتهميش والتمييز وانعدام الفرص، لاسيما الاجتماعية والاقتصادية، وتدنى التعليم أو غيابه.. وغيرها» تجعل الشباب أكثر عُرضة للوقوع فى براثن الإرهاب المرتدى عباءة الدين. هذا ما نردده منذ عقود، تحديدًا منذ بزغ نجم الإرهاب المتنكر فى صورة دين، والمصنوع من قبل «أمراء» التفسير بالغ التشدد والمفرط فى التطرف والمحتكر «الحقيقة الملتوية».. لكن واقع الحال، وبالنظر إلى قيادات تنظيم مثل الإخوان مثلًا، يشير إلى أن دارسين للطب والهندسة والعلوم وغيرها من «كليات القمة» ومنتمين لعائلات ميسورة وأشخاصًا محظوظين بفرص ومميزات «يختارون» أن ينخرطوا فى الإرهاب.
صحيح أنهم يطلقون عليه أسماء مثل: «الجهاد» أو «الهجرة إلى الله» أو «السعى فى سبيل الدين».. وغيرها من الأسماء التى يضحكون بها بالذقون على الذقون، لكنها تظل فى النهاية إرهابًا. وبعيدًا عن الأسباب الحقيقية التى دفعت أمريكا فى هذا التوقيت بالذات لأن تقوم بعملية اغتيال الظواهرى، فإنها تظل فرصة لمراجعة النظريات. فالنظريات ذات الأفق المحدود تنتج عنها خطط وحلول وعلاجات أكثر محدودية. ونحمد الله على أن ذكريات الماضى القريب جدًا تخبرنا عبر المعايشة وليس القراءة بأن أتباع القيادى السلفى حازم صلاح أبوإسماعيل، ومنهم «حازمون» وبينهم نسبة معتبرة من الشباب والشابات، من ميسورى الحال وأعضاء النوادى المغلقة على أعضائها والمترفين والمنتمين لعائلات أبعد ما تكون عن الفقر والعوز والحرمان. بالطبع، يظل الفقر وأقرانه المتلازمة من إحباط وقهر وظلم سببًا وجيهًا وعاملًا مهمًا لسهولة الانضمام للتنظيمات والجماعات المعتنقة فكر الإرهاب.. لكن الاكتفاء بخلطة الفقر وحدها تنتج حلولًا قاصرة وتحجب رؤى أوسع.
أيمن الظواهرى، منظّر «القاعدة» لعقود، ورأسها المدبر لأغلب عملياتها الإرهابية التى أزهقت أرواح الآلاف ينتمى لأسرة مصرية ميسورة الحال وطبيب عيون، لكنه انجذب للإسلام السياسى العسكرى المسلح التكفيرى منذ سنوات شبابه حتى ارتقى أعلى درجات القيادة والتكفير.. ترأس تنظيم «الجهاد»، وضلع فى اغتيال الرئيس الراحل السادات، وتنقل من السعودية إلى باكستان ومنها إلى أفغانستان حيث أهلته قدراته وخبراته للالتحاق بـ«القاعدة». وأمام المنافسة الشرسة على لقب «ملوك الإرهاب»، تفرغ الظواهرى لإعادة هيكلة «القاعدة» بعد بزوغ نجم «داعش» بشدة. وللعلم والإحاطة فإن زعيم «داعش» أبوبكر البغدادى الذى قتلته أمريكا فى عام 2019 ينتمى كذلك إلى أسرة عراقية متوسطة الحال، وكان يلعب كرة القدم، وحاصلا على درجة الدكتوراة فى الدراسات «الإسلامية».
تفسير جاذبية الانضمام للجماعات الإرهابية يحتاج قدرًا أكبر من العمق والمعرفة، بل ربما تفسير «الإرهاب» نفسه يحتاج مراجعة.
البعض يرى فى مقتل بن لادن والبغدادى والظواهرى وغيرهم رحيلًا لعلماء دين!.